نواب طرابلس والسياحة: مشروع يحتاج الى تنفيذ وكنز لم يُستثمر

إسراء ديب
إسراء ديب

تتعدّد اللقاءات المشتركة التي يُجريها بعض نواب مدينة طرابلس في الآونة الأخيرة، وسط أجواء شعبية لا تُبشر بالخير مع تفاقم الأزمات وتعسر الحلول التي تُؤدي إلى خروج الطرابلسيين من مأزق سياسي ومعيشي يعجزون عن التنصل منه، لكن تبقى القدرة على الاجتماع خيراً من قصد التفرقة في هذه المدينة التي تتمتّع بمرافق ومراكز سياحية، ثقافية، تراثية وبيئية مشهود لها لا محلّياً وحسب، بل عالمياً، وهذا ما ندركه في الواقع مع محمية جزر النخل التي تمّ تأهيلها في ظلّ الحديث عن رغبة كبيرة في تنفيذ مشروع سياحيّ جديد قبالة شواطئ طرابلس، يسعى إلى دعم القطاع السياحي في الفيحاء.

ومع افتتاح موسم الزيارات إلى المحمية التي تُعدّ كنزاً لم يُستثمر بصورة صحيحة بعد، عقد اجتماع سياسي منذ أيّام ترأسه وزير البيئة في حكومة تصريف الأعمال ناصر ياسين بمشاركة النواب أشرف ريفي، إيهاب مطر، رامي فنج وجميل عبود بحضور فعاليات إعلامية، بلدية واجتماعية، وذلك في مبنى بلدية الميناء قبيل الانطلاق إلى رحلة بحرية استكشف الحاضرون فيها هذه المحمية الخلّابة التي تحتاج إلى دعم كبير، وذلك وفق رئيس لجنة المحمية عامر حداد الذي وصف أمام الزوار طبيعة هذه المحمية وتفاصيلها، مع تركيزه على مشروع جديد فيها يُطلق عليه اسم “مينا باي” يُشبه إلى حدّ كبير مشروع “الزيتونة باي”، لكنّه يحتاج إلى دعمٍ من النواب الذين أبدوا صراحة إعجابهم بهذا المشروع الذي ينعكس إيجاباً على الحركة الاقتصادية وتحديداً السياحية في طرابلس والميناء أي واجهة المدينة السياحية.

وعن المشروع، أوضح حداد أنه “يُعدّ صديقاً للبيئة، مع ضرورة إنشاء محطة تسفير تأخذ الناس من مرفأ بيروت إلى طرابلس والعكس وذلك دعماً للنقل البحري وتخفيفاً من حدّة التلوّث والوقت، وهو مشروع كنت رصدته في كوريا بعد زيارتي إليها، لكن محمية جزر النخل المهمّة عالمياً تبقى مهملة محلّياً، وذلك باعتراف الأوروبيين بها منذ 3 أسابيع تقريباً وقد تسلّمنا جائزة تكريماً لهذه المحمية”.

وفي التفاصيل، فإنّ هذه المحمية تأسست كمحميّة بيئيّة أوائل التسعينيات وتحديداً في العام 1992، وهي مكوّنة من ثلاث جزر: النخل أو الأرانب، وسَنَنِي ورَمْكين. وفي مؤتمر “سبامي” الذي عقد في موناكو، حازت على شهادة التمّيز بين المحميّات البحريّة في البحر الأبيض المتوسط، إذْ كانت قد شاركت ضمن 20 محميّة نالت جوائز، لكنّها صُنِّفت حينها من “المحميات الهامة جداً في العالم”، فهي تُعدّ مختلفة ومميزّة لكونها ملجأ للطيور المهاجرة والمقيمة، منها النادرة أو المهدّدة بالانقراض، فضلاً عن وجود الحيوانات البحريّة والسلاحف التي تستقطب عدداً كبيراً من السياح الذين يرغبون في استكشاف هذه الثروة الغنية التي تتمتّع بها طرابلس بعد تنظيمها وتنظيفها وتأهيلها، لا سيما بعد تكليف لجنة لمتابعة أصول الحماية فيها، إذْ سمحت بزيارة المحمية حتّى آخر أيلول من هذا العام، ومنعت ارتيادها بقية شهور السنة وذلك حفاظاً على التنوّع البيئي الذي تسعى اللجنة إلى الحفاظ عليه ودعمه.

ولا يُعدّ الوصول إلى هذه المحمية صعباً كما لا يحتاج إلى وقتٍ طويل، لكنّه يحتاج إلى دفع مبلغ كبير (بالنسبة إلى الكثير من المواطنين) يعود إلى ثمن المحروقات الذي يرتفع يوماً بعد يوم، وقد تصل تكلفة الوصول إليها إلى 100 ألف ليرة. وحسب عدد من الزوار، فإنّ أصحاب المراكب قد يطلبون مبلغاً يتجاوز الـ 100 ألف تحججاً بأزمة المحروقات، في وقتٍ لا تقوم أيّ جهة حكومية أو سياسية طرابلسية بدعم هذه النقليات لمضاعفة عدد الزوار الذي يُعدّ مرتفعاً عموماً ويميل إلى مزيد من الارتفاع خلال فصل الصيف، نظراً الى جذب هذا المركز البيئي والسياحي محبّي الزواحف النادرة والسباحة، إضافة إلى السياح الذين يرونها معلماً لا تقلّ أهمّيته عن أيّ مركز آخر خارج البلاد أو داخلها.

لا نبالغ حين نقول إنّ مدينة طرابلس غنية جداً بمقوّماتها المختلفة، في ظلّ إصرار البعض على إدراجها تحت صفات اعتدنا على سماعها، في وقتٍ كان يُمكن استثمار كلّ مرفق فيها بشكلٍ سليم، إذْ يُطلقون عليها غالباً لقب “أم الفقير” أو “أفقر مدينة على ساحل الأبيض المتوسط”، وكأنّه بات لهذه البقعة الجغرافية حدود لا يُمكن الخروج عنها اقتصادياً، وهي جاءت نتيجة معارك عسكرية وأمنية كبّلت أهالي المدينة وأطلقت العنان لسياسييها المهملين والذين لم يدعم أيّ منهم هذه السياحة، إلّا فيما يصبّ في مصلحتهم وبطاقات محدودة مالياً واستراتيجياً، مع العلم أنّ معظم سياسييها يُعدّ من أغنى الأغنياء ومن أكثر الشخصيات السياسية “ظهوراً” على المستويات كافة.

ويُمكن القول إنّ اللقاء الذي جمع نواب طرابلس ووزير البيئة، سمح للعديد من أعضاء اللجنة بالتعبير عن حجم الإهمال الذي يُلاحق المشاريع البيئية والسياحية المخصّصة لطرابلس أمام نواب المدينة كي يتمكّنوا من حمل رسالة مدينتهم إلى البرلمان. كما سمح هذا اللقاء للنواب بالتحدّث عن أبرز المشكلات البيئية التي تُعاني منها طرابلس كأزمة جبل النفايات وأضراره البيئية وإمكان تحويله إلى حديقة، وغيرها من المقترحات التي دعمت مشروع “مينا باي” معنوياً، لكن في الواقع، إنّ هذه المشاريع تحتاج إلى نواب فاعلين لا ليدفعوا ثمنها شخصياً، بل ليحملوها إلى مراكز المسؤولية مع القيام بالضغوط اللازمة التي تُتيح تنفيذها بدلاً من “تنويمها” في أدراج السلطة، لا سيما وأنّ المواطن الطرابلسي كان قد “شبع” من الوعود المتكرّرة والخطابات الرنانة التي لا تُسمن ولا تُغني من جوع.

شارك المقال