اللاجئون السوريون في الجحيم اللبناني… وميقاتي يهدد بترحيلهم

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

منذ بداية اندلاع الثورة السورية فتح لبنان أبوابه لاستقبال اللاجئين السوريين، ولم يكن بالإمكان عملاً بالقوانين الانسانية الا أن يفتح اللبنانيون حدود بلادهم ومنازلهم لاستقبال العائلات السورية التي هربت من الظلم والاعتقال والتعذيب والابادة بالسلاح الكيماوي. ومع تدخل “حزب الله” في الحرب السورية لحسم المعارك لصالح النظام، زاد عدد اللاجئين الهاربين من قرى الحدود مع لبنان في مناطق حلب وحمص وريف دمشق، ولم تعتمد سياسات واضحة فيما بعد نتيجة تعطيل الحياة السياسية اللبنانية والفراغات في الحكم التي منعت اتخاذ قرارات جدية لمعالجة أزمة اللجوء السوري، وبات كل طرف سياسي يتعامل وفق أهوائه من هذه القضية وتوجهاته السياسية، وحتى اليوم لا تزال الأمور غير محسومة في كيفية معالجة هذا الملف الحساس.

وفي محاولة لرمي المشكلة كالعادة على الآخرين، هدّد رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أمس، بإعادة اللاجئين السوريين، علماً أن لبنان الغارق في أسوأ أزماته الاقتصادية، يأوي 1,5 مليون لاجئ سوري بحسب تقديرات رسمية، يشكلون نحو ثلث عدد سكانه.

وقال ميقاتي خلال إطلاق “خطة لبنان للاستجابة للأزمة لعام 2022 – 2023”: “بعد 11 عاماً على بدء الأزمة السورية، لم يعد لدى لبنان القدرة على تحمل كل هذا العبء، لا سيما في ظل الظروف الحالية”. ودعا المجتمع الدولي إلى “التعاون مع لبنان لإعادة النازحين السوريين إلى بلدهم، وإلا سيكون للبنان موقف ليس مستحباً على دول الغرب، وهو العمل على إخراج السوريين من لبنان بالطرق القانونية، من خلال تطبيق القوانين اللبنانية بحزم”.

وكان وزير الشؤون الاجتماعية هيكتور الحجار أدلى بتصريحات مماثلة في أيار الماضي، أكد فيها عدم تمكن لبنان من استضافة هذا العدد الكبير من اللاجئين السوريين، على الرغم من التزامه بمبدأ عدم الإعادة القسرية. لكن الوضع لم يعد يحتمل والدولة اللبنانية لم تعد قادرة على تحمل كلفة ضبط الأمن في مخيمات النازحين والمناطق التي ينتشرون فيها، كما قال.

وطالب لبنان بتقديم 3,2 مليارات دولار لمعالجة تداعيات اللجوء السوري على أرضه، بحسب بيان للأمم المتحدة، التي أكدت أنها “قدمت تسعة مليارات دولار من المساعدات، في إطار خطة لبنان للاستجابة للأزمة منذ العام 2015″.

بينما حذرت منظمتا العفو الدولية و”هيومن رايتس ووتش” ومنظمات حقوقية أخرى من الإعادة القسرية للاجئين السوريين، لافتة إلى أنها وثقت حالات اعتقال وتعذيب من قبل السلطات السورية بحق العائدين.

وكان مركز وصول لحقوق الانسان (أشر) أبرز في تقريره اﻟﺴﻨﻮي الذي أصدرة أواخر أيار الماضي إﻧﺘﻬﺎﻛﺎت ﺣﻘﻮق ااﻧﺴﺎن ﺑﺤـﻖ اﻟﻼﺟﺌﻴـﻦ اﻟﺴﻮرﻳﻴﻦ في لبنان. ويعكس ما جاء فيه معاناة هؤلاء اللاجئين، مع انهيار الأوضاع والتدهور المعيشي الذي أصابهم كما اللبنانيين، على الرغم من إعتقاد البعض أن المساعدات التي تدفعها لهم بالدولار الأمم المتحدة تجعلهم في وضع أفضل من اللبنانيين.

وأثرت على أوضاع اللاجئين أزمة الوقود الى الكهرباء والدواء والتعثرات في قطاع التعليم مع تراجع أوضاع الأساتذة، اضافة الى أن دوائر الدولة التي تعاني من نقص في المستلزمات وفوضى العمل تؤخر اجراء معاملات ضرورية، وتأمين الوثائق القانونية التي تسمح لهم بالتنقل من دون خوف من الملاحقات الأمنية.

واستمر خطاب العنصرية الذي إعتمده بعض السياسيين للكسب الشعبي ولم يتراجع، مع أن التطورات عرقلت استمرار تنفيذ ما يسمى خطة العودة التي قام بها الأمن العام اللبناني. وبقيت الدعوات الى ترحيل السوريين بصورة قسرية قائمة من دون تقديم ضمانات بعدم اعتقالهم من النظام السوري.

وكان واضحاً أن بعض التدابير المشددة بحق اللاجئين من منع تجول وتدمير خيم وطرد لاجئين مقيمين فيها وفرض شروط للاقامات القانونية أو السماح بتجديدها يهدف الى اعادتهم الى سوريا، بحجة أن الحرب توقفت والمناطق باتت آمنة من دون الأخذ في الاعتبار أن هذه المناطق مدمرة وليست فيها خدمات، وأن العودة لا يمكن أن تحصل من دون اتفاق سياسي، ومن دون انسحاب الميليشيات الايرانية وغيرها ومن دون مشروع اعمار وتأمين فرص عمل تضمن العيش الكريم.

ويشير التقرير إلى قيام المديرﻳﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻸﻣﻦ اﻟﻌﺎم اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﻲ بإعادة 6345 ﺳﻮرﻳﺎً ﺑﻴﻦ 25 ﻧﻴﺴﺎن 2019 و19 أﻳﻠﻮل 2021 في إﻃﺎر ﺗﻨﻔﻴﺬ ﻗﺮار اﻟﻤﺠﻠﺲ اﻷﻋﻠﻰ للدﻓﺎع ﺑﺘﺮﺣﻴﻞ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺴﻮرﻳﻴﻦ اﻟﺬﻳﻦ دﺧﻠﻮا ﻟﺒﻨﺎن ﺧﻠﺴﺔ ﺑﻌﺪ 24 ﻧﻴﺴﺎن 2019 وﺗﺴﻠﻴﻤﻬﻢ ﻣﺒﺎﺷﺮة إﻟﻰ اﻟﺴﻠﻄﺎت اﻟﺴﻮرﻳﺔ ﻣﻦ دون ﻣﺮاﺟﻌﺔ ﻗﻀﺎﺋﻴﺔ. ويلفت الى الارتفاع ﻓﻲ إﻏﻼق اﻟﺸﺮﻛﺎت وﺗﺴﺮﻳﺢ اﻟﻌﻤﺎل في لبنان، ﻣﻤﺎ أدى إﻟﻰ زﻳﺎدة ﻛﺒﻴﺮة ﻓﻲ ﻣﻌﺪل البطاﻟﺔ، ونتجت ﻋﻦ ذلك زﻳﺎدة ﺣﺎﻻت التهديد ﺑﺎﻹﺧﻼء اﻟﻘﺴﺮي أو التنفيذ اﻟﻔﻌﻠﻲ ﻟﻘﺮارات اﻹﺧﻼء.

ويوضح أنه ﻧﺘﺞ عن زﻳﺎدة اﻟﻀﻐﻮﻃ اﻷﻣﻨﻴﺔ ﺗﻮﺟﻪ العديد ﻣﻦ اﻟﻼﺟﺌﻴﻦ ﻧﺤﻮ اﻟﻬﺠﺮة ﻏﻴﺮ اﻟﺸﺮﻋﻴﺔ ﺑﺮاً وﺑﺤﺮاً ﻣﻦ ﻟﺒﻨﺎن إﻟﻰ اﻟﺒﻼد اﻟﻤﺠﺎورة، ﺑﺤﺜﺎً ﻋﻦ ﻋﻴﺶ ﻻﺋﻖ، خلال اﻟﻌﺎم 2021، حيث سجل (ACHR) 59 ﺣﺎﻟﺔ ﺗﺮﺣﻴﻞ ﻗﺴﺮﻳﺔ، ﻣﻨﻬﺎ 51 ﺣﺎﻟﺔ ﻷﺷﺨﺎص ﻫﺎﺟﺮوا ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻏﻴﺮ ﺷﺮﻋﻴﺔ ﻣﻦ ﻟﺒﻨﺎن، وأعيدوا قسراً ثم رحلوا إﻟﻰ ﺳﻮرﻳﺎ تحت ﻇﺮوف ﺻﻌﺒﺔ أو ﻣﺠﻬﻮﻟﺔ.

وعلى اﻟﻤﺴﺘﻮى اﻟﺼﺤﻲ، يشير التقرير الى صعوبة وصول اﻟﻼﺟﺌين إﻟﻰ خدﻣﺎت اﻟﺮﻋﺎﻳﺔ اﻟﺼﺤﻴﺔ اﻷوﻟﻴﺔ ﺑﺴﺒﺐ إرﺗﻔﺎع اﻟﺘﻜﺎﻟﻴﻒ اﻟﻄﺒﻴﺔ، وﻣﺤﺪودﻳﺔ اﻟﺘﻐﻄﻴﺔ لهذه اﻟﺨﺪﻣﺎت، وﺗﻌﺮﺿﻬﻢ ﻟﻠﺘﻤﻴﻴﺰ إذ ﺗمت ﻣﺮاﻗﺒﺔ ﻋﺪة ﺣﺎﻻت ﺣﺮم ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻼﺟﺌﻮن ﻣﻦ اﻟﺨﻀﻮع ﻟﻔﺤص كوفيد واﻟﻮﺻﻮل إﻟﻰ اﻟﻌﻼج اﻟﻤﻨﺎﺳﺐ واﻟﺘﻄﻌﻴﻢ.

أﻣﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺼﻌﻴﺪ اﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻲ، فيذكر التقرير بأن اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺴﻮرﻳﻴﻦ وجدوا ﺻﻌﻮﺑﺔ ﻓﻲ اﻟﻮﺻﻮل إﻟﻰ اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﻷﺳﺒﺎب عدة، منها ﻓﺮض وزارة اﻟﺘﺮﺑﻴﺔ واﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﺷﺮط اﻟﺤﻴﺎزة ﻋﻠﻰ اﻹﻗﺎﻣﺔ اﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴﺔ ﻹﺟﺮاء اﻻﻣﺘﺤﺎﻧﺎت اﻟﺮﺳﻤﻴﺔ، وقد بينت اﻟﺪراﺳﺎت أن 84 ﻓﻲ اﻟﻤﺌﺔ ﻋﻠﻰ اﻷﻗﻞ ﻣﻦ اﻟﻼﺟﺌﻴﻦ اﻟﺴﻮرﻳﻴﻦ ﻻ ﻳﻤﻠﻜﻮن إﻗﺎﻣﺔ ﻗﺎﻧﻮﻧﻴﺔ ﻓﻲ ﻟﺒﻨﺎن ﺧﻼل 2021، وﻗﺪ ﻳﻜﻮن ذﻟﻚ ﻧﺘﻴﺠﺔ اﻟﺮﺳﻮم اﻟﻌﺎﻟﻴﺔ اﻟﻤﻔﺮوﺿﺔ، أو اﻹﺟﺮاءات واﻟﺸﺮوط اﻟﻤﻌﻘﺪة أو اﻟﺒﻴﺮوﻗﺮاﻃﻴﺔ الادارية اﻟﺘﻲ ﺗﺆدي إﻟﻰ اﻟﺘﺄﺧﺮ ﻓﻲ البت باﻟﻄﻠﺒﺎت، أو ﺣﺘﻰ ﺑﺴﺒﺐ رﻓﺾ اﻷﻣﻦ اﻟﻌﺎم لها.

وﺳﺠﻞ ﻣﺮﻛﺰ وﺻﻮل (ACHR) 1738 ﺣﺎﻟﺔ اﻧﺘﻬﺎك ﻟﺤﻘﻮق اﻹﻧﺴﺎن ﺗﻌﺮض ﻟﻬﺎ ﻻﺟﺌﻮن ﺳﻮرﻳﻮن ﻓﻲ ﻟﺒﻨﺎن ﺧﻼل اﻟﻌﺎم 2021، مشيراً الى تعرض 139 ﻓﺮداً ﻟﻼﻋﺘﻘﺎل و59 للترحيل منهم 41 دخلوا لبنان بطرق غير شرعية و57 لا يملكون اقامات صالحة وﺗﻌﺮض 955 ﻓﺮداً ﻟﻺﺧﻼء اﻟﻘﺴﺮي ﺧﻼل اﻟﻌﺎم 2021.

كما سجل 44 ﺣﺎﻟﺔ ﺗﻌﺬﻳﺐ وإﺳﺎءة اﻟﻤﻌﺎﻣﻠﺔ، ﻣﻨﻬﺎ 40 ﺣﺎﻟﺔ ﺗﻌﺮﺿﺖ ﻻﻋﺘﻘﺎل ﺗﻌﺴﻔﻲ وﺗﺮﻛﺰت اﻟﺤﺎﻻت ﻓﻲ ﻣﺤﺎﻓﻈﺔ ﺑﻴﺮوت وﻗﻀﺎء زﺣﻠﺔ، و16 ﺣﺎﻟﺔ إﺧﻔﺎء ﻗﺴﺮي و11 ﺣﺎﻟﺔ ﺣﺠﺰ وﺛﺎﺋﻖ رﺳﻤﻴﺔ، و3 ﺣﺎﻻت ﻋﻨﻒ ﺟﻨﺴﻲ، و156 ﺣﺎﻟﺔ ﺗﺤﺮﻳﺾ ﻋﻠﻰ ﺧﻄﺎب اﻟﻌﻨﻒ واﻟﻜﺮاﻫﻴﺔ ﺷﻤﻠﺖ اﻟﺨﻄﺎب اﻟﺘﻤﻴﻴﺰي اﻟﺮﺳﻤﻲ اﻟﻤﻌﺘﻤﺪ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺑﻠﺪﻳﺎت ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ و314 ﺣﺎﻟﺔ ﺗﻤﻴﻴﺰ ﻋﻠﻰ أﺳﺎس اﻟﻔﻜﺮ واﻟﻤﻌﺘﻘﺪ ﺷﻤﻠﺖ اﻧﺘﻬﺎﻛﺎت ﺿﺪ ﻧﺎﺷﻄﻴﻦ ﺧﻼل ﻓﺘﺮة اﻻﻧﺘﺨﺎﺑﺎت اﻟﺮﺋﺎﺳﻴﺔ اﻟﺴﻮرﻳﺔ.

وذكر المركز أنه ﺗﺎﺑﻊ 139 حالة اﻋﺘﻘﺎل ﺗﻌﺴﻔﻲ ﺑﺤﻖ اﻟﻼﺟﺌﻴﻦ ﺧﻼل اﻟﻌﺎم 2021.

وﻛﺎن ﺗﻢ اﻋﺘﻘﺎل اﻟﻨﺴﺒﺔ اﻷﻋﻠﻰ ﻣﻦ اﻟﻼﺟﺌﻴﻦ ﺿﻤﻦ اﻟﻤﺨﻴﻤﺎت ﻟﺘﺄﺗﻲ ﻣﺮاﻛﺰ اﻻﺣﺘﺠﺎز ﻓﻲ اﻟﺘﺮﺗﻴﺐ اﻟﺜﺎﻧﻲ بﺣﻴﺚ ﻳﺘﻢ اﺳﺘﺪﻋﺎء اﻟﺸﺨﺺ ﻟﻤﺮاﺟﻌﺔ أﺣﺪ اﻟﻤﺮاﻛﺰ اﻷﻣﻨﻴﺔ أو اﻟﺮﺳﻤﻴﺔ ﻟﻴﺘﻢ اﻋﺘﻘﺎﻟﻪ من ﺪون إﻋﻄﺎﺋﻪ سبباً واضحاً. ووﺛق ﺳﺖ ﺣﺎﻻت ﻣﻦ ﻣﻄﺎر ﺑﻴﺮوت وﺳﺖ ﺣﺎﻻت ﻣﻦ ﻣﻨﺰل اﻟﻀﺤﻴﺔ وﺣﺎﻟﺔ واﺣﺪة ﻣﻦ أﺣﺪ اﻟﻤﺴﺘﺸﻔﻴﺎت ﺑﺴﺒﺐ ﻋﺪم ﺣﻴﺎزة اﻟﻤﻌﺘﻘﻞ أوراقاً رﺳﻤﻴﺔ.

شارك المقال