بين التكليف والتأليف… باسيل الخاسر الأكبر؟

هيام طوق
هيام طوق

أخذ “بازار” التكليف الحكومي مداه خلال الأيام الماضية بحيث تكثفت النقاشات والطروحات والاجتماعات والمساومات والصفقات وصولاً أمس الى الاستشارات النيابية التي أسدلت الستار على مسرحية الهرج والمرج التي تخللها الكثير من التحليلات والتأويلات، وأبقت “عصمة” السرايا الحكومي في يد الرئيس نجيب ميقاتي الذي سيبقى رئيساً مكلفاً ورئيس حكومة تصريف أعمال الى أجل غير مسمى ربما الى ما بعد نهاية العهد الحالي.

حفلات الجنون النقاشية التي كان يُتوقع منها خروج قوى المعارضة بموقف موحد لناحية اختيار شخصية لتسميتها في قصر بعبدا لم تنجح في اختبار الاستحقاق الحكومي بعدما فشلت في انتخابات المجلس النيابي الداخلية، بحيث بدا في مرحلة من التفاوض أن التنافس على حلبة التكليف بين الرئيس ميقاتي والسفير نواف سلام، لكن سرعان ما عادت أسهم الأخير الى الهبوط تحت وطأة الاختلاف بين المعارضين خصوصاً بعدما حسم حزب “القوات اللبنانية” موقفه من الاستشارات بعدم تسمية أي من الاسمين لعدم توافر الشروط فيهما.

وبغض النظر عن التحليلات التي انقسمت بين من اعتبر أن حزب “القوات” بموقفه أعطى هدية التكليف لميقاتي، وبين من رأى فيه “ضربة معلم” لقطع الطريق على النائب جبران باسيل الذي خسر معركته الحكومية أمام ميقاتي، الذي سيتحرر من الشروط والمطالب الكثيرة لأن باسيل كان يراهن على حاجة ميقاتي الى أصوات تكتل “لبنان القوي”، لكن النتيجة جاءت على عكس الأمنيات والتوقعات.

وفي وقت يجمع كثيرون على صعوبة التأليف بعد التكليف باعتبار أن رئيس الجمهورية لن يوقع على أي تشكيلة إذا لم تحقق مصلحة العهد وفريقه السياسي، لا بد من السؤال إن كانت الأطراف ستسهل عملية التأليف بغض النظر عن التسمية من عدمها؟ وهل النائب باسيل هو الخاسر الأكبر فعلاً في المعركة الحكومية؟

أكد مصدر مقرب من رئيس الحكومة أن “هناك سعياً جدياً جداً الى التأليف، والكل له مصلحة بذلك كما أن كتلاً نيابية كبرى أشارت الى أنها ستسهل مهمة الرئيس ميقاتي حتى لو كانت لا تريد المشاركة في الحكومة ولم تسمّه، وهذا أمر ايجابي يُعوّل عليه ويبنى عليه”، مشدداً على أن “الاستحقاقات الدستورية جيدة، وتشير الى أن لبنان على الرغم من كل شيء لا يزال فيه الحد الأدنى من الممارسة الديموقراطية”.

ولفت الى أن “نموذج الحكومة الحالية يعطي توجهاً للحكومة المقبلة، ومنهج الرئيس ميقاتي في الاطار العام سيستمر كما هو. هناك مسودة معينة لشكل الحكومة المقبلة بحيث أن صيغة الحكومة القائمة ستستمر انما الرئيس ميقاتي سيحسم شكلها ومضمونها”، معتبراً أن “ليست هناك صيغة خاسر ورابح، وعندما يكون هناك رئيس مكلف ومدعوم من الجميع، فالكل سيكون راضياً ورابحاً. العملية ليست عملية كباش داخلي، اذ كيف يمكن معالجة الشأن المعيشي اذا لم تتضافر الجهود؟ لا نفضّل الدخول في الخطاب الذي يستخدم في السياسة نتيجة التجاذبات الداخلية لأننا نقول انه عندما تتألف الحكومة يكون كل الأفرقاء وكل لبناني رابحاً لأن كل الناس يريدون سلطة تنفيذية تعمل على الانقاذ”.

ورأى أن “التيار الوطني الحر له مصلحة في تسهيل مهمة التأليف لأنه يمثل شريحة من الناس تريد قرارات للانقاذ”، مشيراً الى “التعددية في لبنان وكل فريق سياسي له الحق بإبداء رأيه لكن على الجميع أن يساند الرئيس المكلف لأن الحكومة ستكون حكومة لبنان وليست حكومة فئة ضد أخرى”.

وقال المصدر: “علاقات الرئيس ميقاتي جيدة برئيس الجمهورية المعني المباشر بتشكيل الحكومة وبالقرارات حين يرأس جلسات مجلس الوزراء. والأفرقاء الآخرون يمارسون اللعبة الديموقراطية ضمن أصولها بالطريقة التي يرونها مناسبة انما العرقلة لا مصلحة لأحد فيها”.

أما الكاتب والمحلل السياسي جوزيف أبو فاضل، فرأى أنه “اذا كان حزب الله يريد الاستمرار في تعويم النائب باسيل، فسيجري مفاوضات مع الرئيس ميقاتي لأن الحزب هو مرجع التأليف بعد التكليف خصوصاً أن ميقاتي لم يستجب لطلبات باسيل كما أن الفرنسيين والأميركيين لا يريدون أن يكون باسيل موجوداً في أي حكومة. وبالتالي، وضع باسيل صعب داخلياً ولناحية العلاقات الدولية، وفي هذا الوقت ليس أمامه سوى ملاحقة حاكم مصرف لبنان”.

واعتبر أن “ليس هناك من تأليف للحكومة لأن جميع الأطراف لا ترغب في ذلك، وحكومة تصريف الأعمال يمكنها أن توقع الاتفاقيات مع صندوق النقد الدولي لأن القرار اتخذ مسبقاً حين كانت الحكومة مكتملة الصلاحيات”، مشيراً الى أن “مصلحة حزب الله والأكثرية تقتضي أن يعود الرئيس ميقاتي لأنهم يستطيعون التفاهم معه، وينفذ اتفاق الطائف مع شخصيات مستقلة وأحزاب من 8 و14 آذار”.

وقال: “الرئيس ميقاتي ليس مضطراً اليوم الى تأليف حكومة، وهو مرتاح الى وضعه الحالي لأن الحكومة بين يديه وثلثي وزرائها يميلون اليه، وهو يفضل حكومة تصرف أعمال والتي تكون أفضل بكثير من حكومة تأتي وفق رغبات العهد وباسيل. العهد يريد حكومة تلبي طموحاته، لكن باسيل اليوم خارج لعبة التكليف والتأليف خصوصاً وأنه في أول أيلول يتحول المجلس النيابي الى هيئة ناخبة أي أمامنا شهرا تموز وآب وبضعة أيام قبل أن تفتح معركة الرئاسة التي هي أهم بكثير من معركة الحكومة”.

أضاف: “اذا كان الرئيس ميقاتي لديه حظوظ قليلة في التأليف، فإن حظوظ سلام معدومة لأن رئيس الجمهورية لن يوقع على تشكيلته وهو ليس الحصان الرابح ولا يلقى الدعم الأميركي كما يظن البعض”. وأعرب عن اعتقاده أن “جعجع بعدم تسميته سلام خدم الرئيس ميقاتي. وكما تجري اللعبة السياسية حالياً يتم نعي باسيل والعهد سياسياً. الاستشارات ضربة سياسية على رأس باسيل لأنه يريد حكومة تلبي طموحاته ومصالحه وميقاتي لم يلب هذه الرغبات، لذلك أراد تسمية شخصية أخرى، وكان يتكل على التغييريين والقوات في تسمية سلام كي يرفع سقف مطالبه لأن أصوات كتلته كانت ستحدد الرئيس المكلف”.

وبرأي المحلل السياسي أمين بشير “اننا نعيش في ظل كباش بين الأفرقاء السياسيين، ورئيس الجمهورية لن يوقع على أي تشكيلة اذا لم يكن فريقه السياسي له حصة وازنة فيها، ويؤمن مواقع مهمة له إن كان من خلال الحكومة أو من خلال التعيينات، اذ أن هناك ملفات مهمة جداً في المرحلة الانتقالية المقبلة”. وأوضح أنه “يتم العمل على التأليف الحكومي، وهناك توافقات خارجية في هذا الاطار، وفي حال لم يتم التأليف تُرمّم الحكومة الحالية لتطل على المجتمع الدولي لأن الجميع لا يريد وجع رأس”، مشيراً الى أن “كل الأمور تتوقف عند موضوع ترسيم الحدود البحرية، والجواب الاسرائيلي على الطرح اللبناني، وبالتالي، نحن أمام شهرين حاسمين”.

ورأى أن “النواب في الاستشارات يلعبون أدوارهم في مسرحية، ويقولون ما لا يفعلون استرضاء لجمهورهم الذي لا يخبرونه حقيقة أن القرار ليس في يدهم”.

شارك المقال