جرعة تفاؤل

صلاح تقي الدين

يلقي أحد الخبراء الأكاديميين المغتربين اللوم على بعض وسائل الاعلام والاعلاميين لتضخيمهم حجم التشاؤم حول وضع لبنان الاقتصادي والصحي والاجتماعي، ويقول في مجلس خاص إن حجم المشكلات المتراكمة في لبنان ليست بالضخامة التي يصوّرونها بل هي في الواقع مشكلات يمكن حلّها وفي وقت ليس ببعيد.

وسبق لهذا الأكاديمي الذي التقى كاتب هذه السطور مشترطاً عدم ذكر اسمه، أن شغل منصباً رفيعاً جداً في الادارة اللبنانية وعلى اطلاع كامل وشامل على معظم المشكلات التي تعاني منها هذه الإدارة، ويملك تصوراً مبنياً على اتصالاته الخارجية وخصوصاً في العاصمة الفرنسية باريس التي يقيم ويعمل فيها، يشكّل بارقة أمل أمام اللبنانيين لكي يخرجهم من حالة اليأس التي ساهم الاعلام برأيه في تضخيمها بشكل رئيس.

ويبدأ الخبير في شؤون الادارة اللبنانية حديثه لـ”لبنان الكبير” عن النظرة الخارجية إلى لبنان والتي تختلف كلياً عن نظرة الداخل إليه، وهو يعطي مثالاً عن أن الإدارة الفرنسية على سبيل المثال عندما تضع خريطة الشرق الأوسط أمامها ترى أن لبنان بالفعل هو النقطة المحورية في هذا الشرق وأنه البوابة لحل كل القضايا المتعلقة بالدور المنوط بهذه المنطقة في المستقبل القريب والبعيد، ولهذا السبب يبقى لبنان أحد أهم أسرار الاهتمام الدولي ببلاد الأرز والجهود المبذولة للمحافظة عليه.

وإذا كانت الحرب الروسية – الأوكرانية قد شكّلت أزمة كبيرة على مستوى توريد الطاقة إلى القارة العجوز، فإن الحل يكمن في استبدال الاعتماد على الغاز الروسي باستخراج الكميات الهائلة من الطاقة من الغاز والنفط المدفونة في مياه البحر الأبيض المتوسط لكي تكون بديلاً سريعاً ومقبولاً، كما أن معالجة أزمة استخراج الغاز من الحقول اللبنانية ستكون قريبة وتتظهر مع توقيع الاتفاق بين الحكومة اللبنانية وصندوق النقد الدولي.

وإذ يؤكد الخبير أن صندوق النقد الدولي يستعجل الاتفاق مع لبنان أكثر من استعجال الحكومة اللبنانية ذلك، وذلك مردّه الى أن أي مال يعرضه على لبنان يكمن ضمان سداده لاحقاً، لا بل يمكن أن تشكّل الثروة الموجودة في المياه اللبنانية ضماناً لأي قرض إذا أراد لبنان الحصول على أموال إضافية، يشدّد على أن السبيل إلى ذلك يكون بتطبيق الاصلاحات الضرورية والمطلوبة من الصندوق بادئ ذي بدء.

ويعتبر أن لبنان سيشهد حكماً انتخابات رئاسية قبل نهاية العام الحالي توصل رئيساً جديداً مقبولاً من المجتمع الدولي ومنفتحاً على عمق لبنان العربي سيساهم بشكل أساس في بدء نهوضه من كبوته، مستخدماً عبارة “سيبدأ بإخراج رأسه من تحت الماء” ذلك أن هذا الوضع سيفتح الباب أمام عودة دول الخليج العربي إلى لبنان للاستثمار كما باقي الدول الغربية، خاصة إذا ما نظرنا إلى فرنسا التي أنفقت حوالي 600 مليار يورو لمعالجة الآثار الاقتصادية التي ترتبت على جائحة كورونا، فإن مبلغاً يوازي 50 مليار دولار لاستثماره في لبنان لن يكون صعب المنال.

ويشدّد في هذا المجال على أن مطلب انتخاب رئيس جديد للجمهورية أساس في أجندة “حزب الله” الذي سيكون بإمكانه البدء بالخروج من العزلة الداخلية التي فرضها على نفسه لأنه كما باقي اللبنانيين يعاني من صعوبات اقتصادية وصلت إلى داخل بيئته الحاضنة ولن يستطيع الصمود كثيراً في وجهها ما لم يشهد لبنان انتعاشاَ يخفف من مطالب قاعدته الشعبية عن كاهله.

ويؤكد الخبير الأكاديمي أن لبنان سيشهد بدءاً من العام 2023 تنشق الأوكسيجين تحضيراً لبدء التعافي، وأن اللبنانيين سيشعرون بتحسن كبير في أوضاعهم المعيشية، لا بل أن تفاؤله يذهب بعيداً في تأكيده أن اللبنانيين سيبدأون باسترجاع ودائعهم بدءاً من منتصف العام 2024.

ويشير إلى أن عودة دول الخليج العربي إلى لبنان شبه أكيدة ما سيعيد انتاج دورة اقتصادية ومالية استثمارية ستنعكس إيجاباً على حياة اللبنانيين جميعاً، مستبعداً إمكانية نشوء حرب بسبب الخلاف على ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وفلسطين المحتلة، مؤكداً أن الوساطة الأميركية لحل هذه الأزمة ستؤتي ثمارها بدعم ومباركة دولية وعربية.

ويعود الخبير الأكاديمي للتأكيد على أن للاعلام دوراً رئيساً في الإضاءة على المعطيات الايجابية وعدم المبالغة في رسم صورة قاتمة وسوداء عن مستقبل لبنان، وأن يعطي جرعات من التفاؤل عوضاً عن الاحباط الذي أصبح ميزة الاعلام اللبناني في الفترة الأخيرة.

شارك المقال