تضامن طرابلسي مع دريان: لا للزواج المدني ولا للمثليين بيْننا!

إسراء ديب
إسراء ديب

لم يتقبّل معظم الطرابلسيين منشوراً كان قد كتبه المحامي خالد مرعب وهو من طرابلس، تعرّض فيه لمفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان الذي ناهض في تصريحه الأخير أيّ مشروع “مشبوه” ينال من الشرع الإسلامي، وأبرز هذه المشاريع التي يتمّ التحدّث عنها في الفترة الأخيرة هي: الزواج المدني وحقوق المثليين في البلاد.

في الواقع، يُعرف المحامي مرعب وهو مسجّل في نقابة المحامين في طرابلس، بدفاعه عن حقوق الإنسان والمرأة عموماً وتضامنه مع أصحاب هذه الميول لضرورة إعطائهم حقوقهم مهما اختلفت توجهاتهم الجنسية، ولكن بعد كتابته هذا المنشور الذي جاء فيه: “عاجلاً أم آجلاً سيُشرّع الزواج المدني وسيأخذ المثليين حقوقهم يا فاسد ومقيت وقبيح… دريان بالسرقة والفساد وساكت” مع وضعه لصورة المفتي دريان، تعرّض مرعب لحملة هجوم واسعة منددة بتعرّضه مباشرة لقامة دينية تُعدّ الأولى في لبنان، ومرجعية كبيرة في البلاد سواء تقبّلها أم لا، يراها مخطئة أم مصيبة في الكثير من المواقف والظروف، فضلاً عن تحدّثه عن قضايا اجتماعية تبقى مرفوضة ومنبوذة لأسباب دينية يتمسّك بها المؤمنون عموماً، ومعظم الطرابلسيين خصوصاً الذين واجهوا هذه الواقعة بغضب تارّة، وبسخرية وتهكم تارّة أخرى.

ويرى العديد من المتابعين لتفاصيل هذا المنشور، أنّ مرعب “تجاوز خطاً أحمر لا يُمكن تجاوزه، لا سيما في هذا الملف الذي يرفضه أبناء مدينته أساساً ولا يتقبّلونه، وعلى الرّغم من مسحه المنشور، فإنّه لن يسلم من التعليقات السلبية ولن يحدّ من التهديدات التي يتعرّض لها مع عائلته، ما يدفعه إلى الابتعاد قليلاً عن الأجواء التي مهما حاول الدفاع فيها عن نفسه، فلن يُغفر له التطاول على مفتي الجمهورية الذي يُشير إلى ثوابت دينية لا يُمكن التلاعب بها”. وطالب متابعون بضرورة فصله من نقابة المحامين، بينما دعا آخرون آل مرعب “المعروفين بأخلاقهم في المدينة” وفق ما يقول ناشطون، إلى اتخاذ موقف مناسب ضدّه.

وبعد هذا المنشور وما أثاره من جدل وغضب واسع، شعبياً، قانونياً ودينياً، استنكر مجلس نقابة المحامين في طرابلس في بيان ما دوَّنه المحامي مرعب بحقّ الشيخ دريان، “من ألفاظ وتعابير لا تمتُّ إلى الآداب العامّة بصلة، ولا إلى أخلاقيات المحاماة بوشيجةٍ، ولا إلى حرية إبداء الرأي بقُربى”.

وإذْ رفض التطاول على أي إنسانٍ، شدّد على عدم التطاول على مقام دينيٍّ رفيع “يُرتّب على كاتبه مسؤوليات قانونية، أحرى بمن هو محامٍ أن يعرفَها ويتجنبَها”، مؤكّداً أنّ النقابة “لن تتأخر في اتخاذ الاجراءات اللازمة بشأن هذا الفعل، عبر الوسائل القانونية المتاحة، حفاظاً على نقاء الرسالة التي تحملُها، وتذكيراً بأنّ مناقب المهنة تحظر التعرّض لكرامات الأشخاص والمقامات الدينية، تحت أيّ عنوان كان”. 

تهديد بالقتل… وتضامن

لم يتردّد مرعب في كتابة منشور آخر تحدّث فيه عن ست نقاط رئيسة، أراد من خلالها توضيح تفاصيل منشوره والسبب الذي دفعه إلى كتابته، وذلك بعد “ضغوط وتهديدات يتعرّض لها أبناء عائلتي بسببي”، وهو منشور كان قد تداوله المتابعون على مواقع التواصل الاجتماعي، لكنّه لم يكن مقنعاً بالنسبة إليهم مقارنة بحجم منشوره الأوّل، من حيث الحجة والتبرير.

وكتب على صفحته عبر “فيسبوك”: “أتعرّض لحملة كبيرة وممنهجة من قبل المنظومة لإسكاتي عن قول الحقّ وسوف أبقى مدافعاً عن حقوق الانسان”.

وعن منشوره المرتبط بالمفتي كتب: “بالنسبة الى المنشور الذي تُرجم حسب رغبات المصطادين في الماء العكر، فطبعاً عنيت بالمقطع الأوّل وجه السلطة القبيح والمقيت، وطبعاً لم أكن أعني سماحة المفتي بتاتاً، إلا أنّ أصحاب النية السيئة أرادوا إظهارها بأنّها موجهة الى المفتي”. وشدد على مناشدته المفتي “الذي من واجبه ألّا يسكت عن الفساد والسرقات التي يعلم بها لوضع الحدّ لها”، متوجهاً بالاعتذار من عائلته ومن نقيبة المحامين التي “أعز وأستوحي منها حسن السيرة ولا أقبل بتاتاً أن تُحرج من أجلي، وأنا على أتمّ الاستعداد لأيّ قرار تتخذه”.

وختم معتذراً من المفتي الذي “وصلته الرسالة ملتبسة، وتظهر أنّني أنعته بهذه الأوصاف التي كانت موجهة الى السلطة ولكوني من عائلة مسلمة ووالدتي حاجة، لا أقبل لنفسي التوجه الى أبرز رموز دينها وطائفتها…”.

بدوره، أثار ردّ عضو المجلس الشرعي الاسلامي الأعلى الشيخ أمير رعد على مرعب، جدلاً كبيراً نظراً الى ما يتضمّنه تصريحه من تهديد مباشر له، إذْ قال: “المدعو خالد مرعب يتعرّض لأعلى سلطة دينية في لبنان إثر موقفها المشرف من المثليين والزواج المدني، أيّها الصغير أنت هدف لنا”.

في المقابل، ناصر الكثير من المواطنين المحامي مرعب في طرحه الذي يرون أنّه “نداء الى المفتي لوضع حدّ للتجاوزات والفساد بدلاً من السكوت عنها”، بينما اعتبر آخرون أنّ مرعب لم يُخطئ حين تعرّضه لأيّ قامة دينية لم يكن دريان هو الأوّل بينها، وذلك لاقتناعهم بأنّ “رجال الدين يُسهمون عموماً في الإفساد عبر مساعدة السياسيين في إيصال المواطنين إلى هذا المستوى الرديء اجتماعياً وإنسانياً”، فيما تضامن آخرون مع المحامي نظراً الى تمسكه بقضايا إنسانية عدّة وملاحقته الدفاع عن حقوق الكثير من الناس “في وقتٍ كان يتردّد محامون آخرون في الدفاع عنها”، أمّا فئة أخرى فرأت أنّ “من يُدافع عن المفتي بسبب منشور، كان عليه أن يُحارب شريعة القتل والفساد التي تعمّ مجتمعاتنا”، على الرّغم من عدم قدرة المجتمعات التي يتحدّثون عنها على تخطي عقيدة ثابتة لا يُمكن المسّ بها، ترتبط بشرعيتهم التي يستمدّون منها قوّتهم حتّى اللحظة.

في الواقع، تأتي هذه المنشورات بعد تداول ناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي دعوات من “مجتمع الميم” للمشاركة في أنشطة عدّة بينها عرض مسرحي، ما دفع وزير الداخلية والبلديات بسام مولوي إلى توجيه كتاب إلى قوى الأمن الداخلي والأمن العام جاء فيه: “بعد انتشار دعوات على مواقع التواصل الاجتماعي لإقامة حفلات وأمسيات للترويج للشذوذ الجنسي في لبنان، وبعد أن تلقّت هذه الوزارة اتصالات من المراجع الدينية الرافضة لانتشار هذه الظاهرة… يُطلب إليكم فوراً اتخاذ التدابير اللازمة لمنع إقامة أيّ احتفال أو لقاء أو تجمّع يهدف إلى الترويج لمجتمع الميم”.

وبعد موقف دريان الذي كان حاسماً، لا يبدو أنّ الباب الذي فتحه المحامي بيده بتهجمه على دريان سيُغلق عمّا قريب، وقد يفتح المجال أمام مزيد من التهديدات ضدّه من جهة، وإجراءات قانونية قد تُتخذ بحقّه من جهة ثانية، وكان يُمكن أن يكون رأيه مقبولاً وخفيفاً لو استُخدمت مصطلحات أخرى في سياق آخر، لكنّه أراد من خلال صفحته الشخصية الحديث بحرية عن مسألة خلافية وغير قابلة للنقاش لمخالفتها الفطرة الإنسانية، وهو منشور يُدرك أيّاً كان نتيجته وانعكاساته قبل البوح بكلمة واحدة منه، وفي الوقت نفسه، تبقى الإجراءات القانونية والدستورية هي الكلمة الفصل في هذه القضية، ولا يُمكن أن يكون التهديد بالقتل هو الحلّ، فمن يعتبر أنّ المثلية أو “الشذوذ” الجنسي أمر محرّم، فالقتل يبقى محرّماً أيضاً.

شارك المقال