اللبنانيون في تركيا: لا إقامات سياحية جديدة… والتجديد بـ”دكة” دولارات

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

منذ بداية السنة الحالية تقريباً، وعبر سلسلة قرارات، شرعت السلطات في تركيا باتخاذ إجراءات لتنظيم أوضاع اللاجئين السوريين والعرب والأجانب، بعدما اكتظ بعض الأحياء السكنية بما يتجاوز النسبة المحددة من عدد السكان، أي الــ 25%. ومع تأزم الأوضاع في لبنان، كثر الوافدون اللبنانيون إلى تركيا هرباً من جحيم بلادهم، فهي الخيار الأمثل بالنسبة الى كثيرين منهم، نظراً الى قربها وسهولة الدخول إليها من دون فيزا، وإمكان حصولهم على إقامات سياحية، وهي الأكثر طلباً، وإقامات عقارية لمن يملكون منازل، وإقامات تجارية أيضاً لمن يرغب في الاستثمار بمشاريع أو تأسيس شركات، تلتزم طبعاً بالقوانين التركية.

هناك عائلات لبنانية كثيرة من ذوي الدخل العالي حصلت على الجنسية التركية بعد إقدامها على شراء شقق يفوق سعرها الــ 250 ألف دولار، علماً أنها زادت في الفترة الأخيرة لتصل إلى 400 ألف دولار، وهو رقم كبير نسبياً لمن لا يستطيع سحب ودائعه من البنوك اللبنانية، إلا على سعر الصرف المحدد بــ8000 ليرة، مما يعني أن ثمن شقة “التجنيس” سيرتفع إلى أكثر من مليون ونصف المليون دولار.

أما أسعار الشقق التي يمكن أن تصدر على أساس ملكيتها إقامة لمدة سنتين يمكن تجديدها من دون عقبات، فلم تعد اليوم في متناول الكثير من الطامحين الى الاستقرار في هذا البلد، إذ صدر مؤخراً قرار من السلطات التركية حدد بموجبه تملك أي أجنبي بما يوازي الخمسين ألف دولار، إضافة إلى تكلفة رسوم التسجيل والمعاملات القانونية والضرائب الآخذة في التصاعد، مع أزمة الليرة التركية التي تشهد انخفاضاً ملحوظاً يوماً بعد يوم، على الرغم من محاولات السيطرة عليها بسلسلة إجراءات وتدابير، يبدو أنها لا تساعد كثيراً على لجم التدهور الذي أثرت فيه الأزمة الاقتصادية الناتجة عن الحرب في أوكرانيا، كما الحال في باقي دول العالم.

أما الطلاب اللبنانيون في تركيا فيعيشون حالة قلق، إذ يبدو أن القرارات التي تطالهم ستمنع أي طالب أنهى دراسته من البقاء في تركيا، حيث لن يعود بإمكانه تجديد إقامته، وهو لا يعرف ماذا يفعل، هل يعود إلى لبنان أم يبحث عن باب هجرة إلى دولة تحفظ كرامة العيش وتفسح له المجال للعمل والحياة؟ بحيث يجري إبلاغ عدد منهم بضرورة المغادرة في غضون عشرة أيام من إنهاء دراستهم.

تركيا كانت تعد بوابة اللبنانيين الى السياحة على مدار السنة، إذ كان يفوق عددهم زوارها المليون، وهناك علاقات طيبة تجمع بين الشعبين، لا سيما وأن هناك تزاوجاً وجذور عائلات مشتركة، وكم من عائلة لبنانية ذات جذور تركية عادت لتهتم بالحصول على جنسية تركية للأولاد، أو للزوج أو الزوجة، وهو أمر لم يكن بمثل هذا الإقبال في السابق، إلا أن الرغبة في الهرب من وطن الأرز ذكّر الكثيرين منهم بأن الحل موجود عبر العودة إلى البلد الأصل، والافادة من الجنسية التركية، ريثما تفرج على لبنان.

تناقلت وسائل الاعلام أخيراً الكثير من الأخبار حول ما وصف بالتضييق على اللاجئين السوريين في تركيا، وعدم تجديد الإقامات لهم، أو السماح لهم بزيارة عائلاتهم في سوريا خلال الأعياد ومن ثم العودة، الأمر الذي أثار تساؤلات لدى السلطات التركية حول ادعاءات البعض منهم بكونهم ملاحقين من النظام السوري. على أية حال، فإن صفة اللجوء تمنح السوريين فرصة للعيش بأمان، وربما العمل والهجرة، لأن سوريا لا فرص عمل فيها، ولا قدرة على العيش في قرى مدمرة، وليس هناك اتفاق سياسي يضمن أمان اللاجئين السوريين وعودتهم الآمنة.

لم تكن الاجراءات التركية وقفاً على السوريين وحسب، فهي طالت جنسيات أخرى أيضاً، والواضح أن كل من جاء في شهر شباط 2022 لم يتمكن من الحصول على إقامة سياحية. فكثير من اللبنانيين، والعراقيين أيضاً الذين يعتبرون من أكثر الجنسيات التي تتملك عقارات في تركيا، لم يستطيعوا الحصول على إقامة، ويجري إبلاغهم بالرفض الصارم، بعد أن يكونوا دفعوا ما عليهم من ضريبة وفيزا وتأمين صحي ورسوم طلبات، وصدقوا وثائقهم واستأجروا منازل ودفعوا تأمينها مع واجبات السمسرة، وحتى دفع الإيجار مسبقاً لمدة سنة وبالدولار أحياناً، لا سيما إذا كان الإيجار من متملك عراقي. وقد أصبح المتملك التركي يقلده، علماً أن ذلك مخالف للقوانين التركية التي تجري كل معاملاتها بالليرة. وقبل ذلك كانت هناك مؤشرات الى التدابير الجديدة، إذ أحياناً كان بعض اللبنانيين لا يحصل على الإقامة سنوياً، وانما لثلاثة أشهر، مما يرتب أعباء مالية أكبر على التجديد.

وكان وزير الداخلية التركي سليمان صويلو، واضحاً بقوله: “من جاء إلى تركيا منذ 10 شباط الماضي بفيزا سياحية وأنهى مدتها، لن يُسمح له بالحصول على إذن إقامة. ولن نعطي إذن إقامة لمن قدم على فيزا طلابية، وعند انتهاء فترة دراسته يجب عليه العودة إلى بلده”. كما أعلن عن إغلاق 1200 حي جديد أمام السوريين الجدد، اعتباراً من مطلع شهر تموز المقبل.

ومن الواضح أن الحياة في تركيا تصعب يوماً بعد يوم بسبب الإجراءات والغلاء الذي يتفاقم، وعدم سهولة إيجاد عمل وفق القوانين المرعية الإجراء، اضافة الى العقوبات على المخالفين في ذلك وفي الاقامة. وهناك شبان لبنانيون قدموا إلى تركيا ويعيشون جماعات ويتشاركون في إيجارات السكن، إلا أن القوانين الجديدة حول تثبيت النفوس تلجم المخالفات المخفية، فلم يعد بالإمكان التحايل، ولا مبدأ الشطارة نافعاً، والا سيكون السقوط في أيدي المافيات، التي تعد ولا تفي، أمراً محتوماً، لا سيما تلك المكاتب أو الشركات الوهمية التي تقدم خدمات وهمية.

لقد أدى انسداد أفق أي حلول في لبنان إلى موجة هجرة مخيفة للبنانيين نحو دول العالم، حتى وصلت إلى حدود تفوق الـ 50%، وبدا أن الهجرة خيار وحيد لهم، وإن كانت تركيا تشكل بارقة أمل في الخروج من لهيب الأزمات المتلاحقة، والطمع بالكهرباء وخدمات الانترنت، وتأمين الدواء والعيش من دون الحاجة إلى الوقوف في طوابير البنزين والخبز، فهي لم تعد الخيار الأفضل بعد حرب أوكرانيا، وقد تجد اليوم من مصلحتها أن تستقبل لاجئين أوكران وتحظى بدعم من الأمم المتحدة والاتحاد الاوروبي والغرب، ولذلك تضيّق على الجنسيات الأخرى، لا شيء مستبعد، بحسب ما يحلل بعض المقيمين العرب الذين لم يحالفهم حظ الحصول على الإقامة “الكيملك” باللغة التركية.

شارك المقال