بين بعبدا والرئيس المكلف… تصفية حسابات وكهرباء

محمد شمس الدين

أمنية اللبنانيين اليوم أن يصلهم التيار الكهربائي ولو لساعة فقط، ولكن الكهرباء الوحيدة التي يحصلون عليها هي الوضع المكهرب بين بعبدا والرئيس المكلف تشكيل الحكومة نجيب ميقاتي، بحيث بدأت حرب البيانات بين الطرفين، اتهام من ميقاتي لبعبدا بتسريب التشكيلة الحكومية التي قدمها، بينما ردت بعبدا أن التسريب لم يحصل من عندها. يبدو أن هناك جنياً يريد ضرب علاقة اللبنانيين بعضهم ببعض، ودائماً في لبنان “الحق عالطليان”. وبعيداً عمّن سرب، على الرغم من أن التسريب حصل عبر شخصية معادية لميقاتي ولديها ثأر معه، يبقى السؤال اليوم: من لا يريد تشكيل الحكومة؟ هل هو ميقاتي أم أن رئيس الجمهورية يريد الوقوف على خاطر جبران باسيل وتطيير الرئيس المكلف؟ وهل تقديم ميقاتي التشكيلة بهذه الطريقة فعلاً هدفه الحصول على رفض وعدم التشكيل أم أنه يصفي حسابات مع “التيار الوطني الحر” الذي لم يسمّه؟

استغربت مصادر مقربة من الرئيس ميقاتي في حديث لموقع “لبنان الكبير” الاتهامات التي يتعرض لها، مشيرة الى أن “الرئيس ميقاتي أًصبح موضوع اتهام لأنه قام بواجبه وقدم تشكيلة سريعة للحكومة، وهي ليست فرضاً على أحد، بل هي موضع نقاش، فهو لم يقل لرئيس الجمهورية هذه التشكيلة ويجب عليك القبول بها، بل هو ينتظر ملاحظات الرئيس ميشال عون عليها، فلماذا هذه الحملات وهذه الاتهامات؟ هل وضع رئيس الجمهورية ملاحظاته وكان رد الرئيس ميقاتي لن أقبل؟ التشكيلة لم تناقش حتى، علماً أنها تشكيلة بناء على الاستشارات التي قام بها الرئيس ميقاتي مع كل القوى السياسية، لذلك يبدو أن سبب هذا الجنون هو خسارة التيار الوطني الحر وزارة الطاقة، والأمر ليس نكداً من الرئيس ميقاتي، بل إن كل الكتل النيابية، أبدت رغبتها في عدم إعطاء الثقة للحكومة في حال بقيت الوزارة مع التيار، لأنه من غير المنطقي بعد كل هذا الفشل خلال 10 سنوات أن تبقى معه، فليريحوا الشعب 4 أشهر. أما عن الكلام حول ضرب حقوق مسيحية، بسبب عدم تسمية التيار للرئيس ميقاتي، فهذا الأمر غير صحيح، فهو لن يدخل في النكايات السياسية، ولن يصفي حسابات، وتحديداً في هذا الوقت الذي يمر به البلد”.

وأكدت المصادر أن “تشكيل حكومة سريعة يصب في مصلحة رئيس الجمهورية أولاً، فليسجل أن في عهده تشكلت أسرع حكومة، وليسجل له إقرار خطة التعافي، وحل ملف الكهرباء، ولينهِ عهده بإنجازات حقيقية للبلد”.

أما مصادر “التيار الوطني الحر” فرأت أن ميقاتي يلعب لعبة الرئيس سعد الحريري نفسها، بحيث أنه يضع ورقة في عهدة رئيس الجمهورية ويطالبه بالقبول بها، لافتة الى أن “التشكيلة التي قدمها الرئيس ميقاتي فيها ضرب للطائفة الأرثوذكسية من ناحية ثقل الوزارات، بحيث أعطى الوزارات المهمة للطائفة السنية على حساب الأرثوذكس”، ولا تستبعد أن تكون الخطوات هذه سببها أن التكتلين المسيحيين لم يسمّياه.

أضافت: “يبدو أنه يصفّي حسابات مع التيار الوطني الحر، وهو لا يريد حكومة، وما التشكيلة التي قدمها إلا دليلاً على ذلك، فهي غير مقبولة عند رئيس الجمهورية”. وتوقعت أن يكون هناك أكثر من مسودة حكومية، “وكلها ستكون في معرض الرفض، لأن ميقاتي لا يريد حكومة قبل نهاية عهد الرئيس عون”، معتبرة أن “هناك قراراً إقليمياً ومحلياً بمنع تشكيل حكومة قبل أن ينتهي عهد الرئيس عون، والرئيس ميقاتي يسير في هذا الخط أيضاً”.

“التاريخ يعيد نفسه”… القول الشهير يتحدث عن أن الأحداث نفسها تتكرر ولكن يختلف الأشخاص، إلا في لبنان، فالأشخاص هم أنفسهم، والتاريخ يتكرر كل بضعة أشهر، اذ أن تشكيل الحكومات في لبنان منذ ما بعد العام 2005، أصبح يأخذ وقتاً طويلاً، وزادت المدة في زمن “العهد القوي”، بل ان الأسلوب منذ 17 تشرين هو نفسه مع الرئيس عون، رفض لكل الطروحات قبل أن يضمن حصة “التيار الوطني الحر” الذي يعلن أنه لا يريد المشاركة في الحكومة. وعلى الرغم من أن ميقاتي ليس ملاكاً، وقد يكون فعلاً يصفّي حسابات مع العهد، إلا أن من مصلحته اليوم تشكيل حكومة بأسرع وقت ممكن، قبل الوصول إلى الاستحقاق الرئاسي، لأن البلد عندها سيدخل في دوامة طويلة من الفراغ الدستوري، كون الخلافات لا تزال تسيطر على القوى السياسية، إضافة إلى عدم وضوح المشهد الإقليمي.

شارك المقال