الحرب الباردة الجديدة: من الثنائية إلى عالم متعدد الأقطاب

حسناء بو حرفوش

يحتاج الغرب الى تقليص طموحاته المثالية والعودة إلى استراتيجية كبرى ترتكز على ممارسة السياسة الواقعية، حسب مقال في موقع “ناشيونال إنترست” الذي يحذر من أن التحول العالمي في ظل الحرب الباردة الجديدة يضع شكل العالم ثنائي القطب على المحك ويستدعي من الغرب مضاعفة الجهود للحفاظ على قدرته الاستقطابية.

وحسب المقال، “سرّع الغزو الروسي لأوكرانيا في بروز عالم متعدد الأقطاب وأكثر خطورة، يقلب موازين القوى التقليدية، مع حدوث التغيير التدريجي، بالتزامن مع صعود الصين والشرق. وتسبب العدوان الروسي على أوكرانيا بمعاناة العالم من المزيد من الاضطرابات قبل الموعد المرتقب لذلك بكثير. فقد أعاد غزو الكرملين إحياء التنافس العسكري بين روسيا والغرب. وحركت شراكة موسكو الاستراتيجية مع بكين شرارة الحرب الباردة الثانية التي تحفز الغرب على التحرك ضد كتلة صينية روسية تمتد من غرب المحيط الهادئ إلى أوروبا الشرقية. وهذا ما يفرض على الولايات المتحدة وحلفائها تحديث استراتيجيتهم الكبرى وفقاً لذلك.

وشكل الالتزام بإبقاء باب الناتو مفتوحاً أمام أوكرانيا موقفاً مبدئياً في مواجهة جهود روسيا لانتهاك سيادة أوكرانيا والقضاء على تطلعاتها للانضمام إلى الغرب. ومع ذلك، يحتاج الغرب الى تقليص طموحاته المثالية والعودة إلى استراتيجية كبرى ترتكز على ممارسة السياسة الواقعية. وعلى غرار الحال خلال الحرب الباردة الأولى، يجب أن تهدف استراتيجية الاحتواء الى الحفاظ على الاستقرار الجيوسياسي والدفاع عن النظام الدولي الليبرالي بدلاً من توسيعه. وهذا يستدعي من الولايات المتحدة تعزيز وجودها المتقدم في كل من مسارح أوروبا وآسيا والمحيط الهادئ، ولا ينطوي ذلك على المزيد من الإنفاق الدفاعي وحسب، ولكن أيضاً على التجنب الصارم لحروب الاختيار المكلفة ومغامرات بناء الدولة في الشرق الأوسط أو المناطق الطرفية الأخرى.

ومع تزايد التنافس بين الكتلة الديموقراطية الليبرالية التي يرتكز عليها نظام التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة والكتلة الرأسمالية التي تدعمها روسيا والصين، ستمتنع العديد من الدول الأخرى عن الانحياز إلى أي طرف. وهذا ما ظهر من خلال اختيار حوالي أربعين دولة فقط احترام نظام العقوبات ضد روسيا، مما يشير إلى أن دولاً عدة، خصوصاً تلك الواقعة في جنوب الكرة الأرضية، ستبقى على الحياد بدلاً من الانحياز إلى أي من الكتلتين. ونظراً الى أن ما يقرب من ثلثي دول العالم تتاجر مع الصين أكثر من الولايات المتحدة، قد تفضل غالبية الدول عدم الانحياز الفاعل، مما ينقل العالم من مكان ثنائي القطب إلى مساحة متعددة الأقطاب.

وبينما تتراجع واشنطن عن مشروع تعزيز الديموقراطية وحقوق الانسان في الخارج، يجب على إدارة (جو) بايدن كبح ميلها إلى صياغة رؤية جيوسياسية تقسم العالم بدقة شديدة بين ديموقراطيات وأنظمة استبدادية. كما قد تبتعد العديد من الديموقراطيات في العالم عن حقبة جديدة من التنافس بين الشرق والغرب. ومن المؤكد أنه يتعين على الولايات المتحدة وشركائها الديموقراطيين الدفاع عن القيم والممارسات الليبرالية في الداخل والخارج. ولكن لا بد من التعامل مع هذه المهمة برصانة عملية، والوعي لمجموعة جديدة من القيود الجيوسياسية. ويجب على الغرب أن يعترف بأن خصمه الأساس، أي الكتلة التي ترسيها الصين وروسيا، سيشكل منافساً أقوى بكثير من سلفه السوفياتي.

ومن أجل مواجهة هذا الواقع، عليه التأكد من التفوق، سياسياً واقتصادياً، على البدائل غير الليبرالية. ولا يحتاج الغرب الى حشد الموارد المادية اللازمة للفوز وحسب، ولكن أيضاً الى تقديم نموذج ناجح. وهذا يستدعي من الديموقراطيات الأطلسية الاستمرار في معالجة نقاط ضعفها الداخلية وإعادة إحياء الأسس المحلية للمؤسسات والممارسات الليبرالية. وعلى الرغم من أن هجوم روسيا على أوكرانيا قد ولّد وحدة وعزيمة عبر الأطلسي، إلا أن الشعبوية غير الليبرالية للديموقراطيات لم تذو بأي حال من الأحوال ولا تزال الولايات المتحدة مصدر استقطاب شديد.

وحتى في الوقت الذي تسعى فيه الديموقراطيات الغربية الى تقوية نفسها داخلياً والاستعداد لعصر طويل من المنافسة مع كتلة استبدادية، يجب عليها أيضاً الاعتراف بأن إدارة عالم مترابط ستتطلب العمل عبر الخطوط الأيديولوجية، كما تحتاج الحرب الباردة الجديدة بين الكتلة الصينية الروسية والغرب، الى الحوار وقدر من التعاون العملي مع موسكو وبكين لمواجهة التحديات المشتركة، مثل التفاوض بشأن الحد من التسلح ووقف تغير المناخ ومنع الانتشار النووي وإدارة التجارة الدولية وإدارة المجال السيبراني وتعزيز الصحة العالمية.

وبإمكان الغرب النظر إلى صيغ مجموعات صغيرة جديدة لمواجهة التحديات العالمية، كما يجب على الديموقراطيات الغربية أن تسعى الى الافادة من تكاملها التجاري مع الصين لتعزيز التعاون الانتقائي وربما لإضعاف الكتلة الصينية الروسية الناشئة من خلال البحث عن طرق للفصل بين موسكو وبكين واستغلال عدم ارتياح الكرملين لتحوله الى الشريك الأصغر للصين من خلال الإشارة إلى أن روسيا تمتلك أيضاً الخيار الغربي. مع الإشارة إلى أن استجابة بكين الحذرة لغزو أوكرانيا تشير إلى قدر من عدم الارتياح على الأقل من الاضطراب الاقتصادي والجيوسياسي الذي نتج عن تهور روسيا. لقد أعاد بوتين توجيه بوصلة التاريخ إلى الوراء. ورداً على ذلك، على الولايات المتحدة وشركائها إعداد أنفسهم لعصر جديد ومتطلب من التنافس بين القوى العظمى”.

شارك المقال