هل يخضع ميقاتي لشروط باسيل؟

صلاح تقي الدين

لغاية اليوم، وبعد أسبوعين على تكليفه تشكيل الحكومة عقب الاستشارات النيابية الملزمة التي أجراها رئيس الجمهورية ميشال عون، لا يبدو الرئيس نجيب ميقاتي مستعداً للرضوخ لكل أنواع الضغوط التي يمارسها العهد القوي ورئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل عليه، بهدف تشكيل حكومة تكون له اليد الطولى في التحكم بقراراتها خصوصاً في حالة الوقوع في الفراغ الرئاسي الخاضع لتجاذبات عديدة.

فبعد المفاجأة المدوية في التوقيت والمضمون التي فجرّها ميقاتي في وجه العهد، بحيث وضع في عهدة رئيس الجمهورية مسودة تشكيلة حكومية عقب 24 ساعة على انتهائه من استشارت النواب غير الملزمة له، وبعد زيارة ثانية إلى قصر بعبدا بعد يومين على الزيارة الأولى، لم يبد ميقاتي أي تساهل أمام المطالب والملاحظات التي وضعها عون على تشكيلة ميقاتي المكتوبة بخط اليد، والتي تسببت أساساً بتوتر في العلاقة بينهما على أثر تسريب التشكيلة من دوائر القصر الجمهوري، ولم يعد إلى زيارة بعبدا منذ السبت الماضي وهذه الفترة قابلة للتمديد إذا استمرت العقد على ما هي عليه وتتلخّص بشروط باسيل لفرض تشكيلة على “ذوقه”.

وما جاء على لسان ميقاتي عقب زيارته البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي في الديمان، شكّل مؤشّراً إلى توتّر إضافي في المداولات الجارية بينه وبين عون في شأن التشكيلة الحكومية بما يثبت صحة التقديرات والتقويمات السلبية التي تؤشر إلى عدم إمكان تشكيل حكومة جديدة قبل نهاية العهد القوي.

فاستناداً إلى مقياتي “لا يمكن لفريق أن يقول أريد هذا وذاك وفرض شروطه، وهو أعلن أنه لم يسمّ رئيس الحكومة ولا يريد المشاركة في الحكومة، ولا يريد منحها الثقة”، في إشارة واضحة إلى موقف رئيس “التيار الوطني الحر”، وبذلك نزع عنه غبار تعطيل تشكيل الحكومة رامياً الكرة في ملعب عون وباسيل.

وكانت تقارير إعلامية أِشارت إلى أن باسيل يشترط الحصول على حقيبة وزارة الداخلية في الحكومة العتيدة لكي يسهل له أمر إصدار قرار بملاحقة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، تحقيقاً لأهداف تياره الشعبوية ولما يمكن تصويره انتصاراً للعهد القوي الذي ينادي قولاً بالاصلاح وفعلاً يتمسك بالمحاصصة، ناهيك عن حجته القديمة المتجددة دوماً بإبقاء حقيبة وزارة المال في عهدة الثنائي الشيعي مصراً على مبدأ المداورة في الحقائب.

لكن تطوراً بارزاً تمثّل في إطلاق “حزب الله” ثلاث مسيرات باتجاه حقل “كاريش” الاسرائيلي وسفينة استخراج الغاز “انيرجيان باور” وتصدي سلاح جو العدو الصهيوني وتكفله بإسقاطها، فجّر أزمة داخلية حول الرسالة التي أراد الحزب توجيهها وتوقيتها، ناهيك عن تبرؤ ميقاتي إلى جانب وزير الخارجية عبد الله بو حبيب من هذا الفعل ما أثار امتعاض الداعم الرئيس لتكليف ميقاتي تشكيل الحكومة العتيدة وهو “حزب الله”.

لكن ما الذي يجعل ميقاتي “مرتاحاً” إلى وضعه في التعامل مع العهد وباسيل؟

بداية، يبدو ميقاتي مطمئناً الى موقعه كرئيس مكلف الى جانب كونه رئيس حكومة تصريف الأعمال، وهذا سيعطيه أفضلية على رئيس الجمهورية عند انتهاء الولاية الرئاسية في 31 تشرين الأول المقبل، كون عون لن يبقى دقيقة واحدة في قصر بعبدا بعد انتهاء ولايته الرئاسية وفقاً لما قاله وشدد عليه مراراً وتكراراً واحتراماً منه لقسمه الدستوري.

كما أن ميقاتي غير مستعجل على التأليف، بعدما رمى كرة التعطيل في مرمى بعبدا، رافعاً أي مسؤولية عن كاهله في هذا المعنى وهو إلى ذلك يفاوض من موقع من وقّع الاتفاق الأولي مع صندوق النقد الدولي وعليه أن يكون حاضراً لتوقيع الاتفاق في صيغته النهائية.

ولا يخشى ميقاتي على موقعه كرئيس مكلف في وقت يمضي العهد القوي في طريقه إلى أشهره الأخيرة، معتمداً على النص الدستوري الذي يبقيه حتى في حالة انتخاب رئيس جديد كرئيس مكلف بقوة الاستشارات النيابية الملزمة، وهو بذلك يصمد أمام الشروط التعجيزية والتعطيلية التي يضعها عهد آيل إلى النهاية مما يتيح له ترؤس أولى حكومات العهد المقبل.

وتحرص أوساط الرئيس المكلّف على الترويج لوجود توافق عربي ودولي حوله لقيادة المرحلة الراهنة، مشيرة في هذا الصدد الى دعم فرنسي وعدم ممانعة سعودية، غير أن الأمور لا تزال رهن بما قد يقدم عليه “حزب الله” خصوصاً وأن المعلومات التي رشحت أمس تشير إلى أنه أرسل مسيّرة رابعة فوق حقل “كاريش” في مؤشر جديد الى تصعيد قد يخربط الأمور الداخلية كافة ويفتح باب المجهول الحقيقي أمام اللبنانيين.

شارك المقال