جرادة… ومسيّرات “حزب الله” ومسيرات الثورة

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

بعد تزايد ردود الفعل على مواقف النائب التغييري إلياس جرادة، التي يؤكد البعض الحاجة الى التبصير لفك شيفرتها، طرح العديد السؤال الذي لا إجابة عنه حتى الآن: هل جرادة إبن ثورة 17 تشرين حقاً أم وديعة “حزب الله” وأتباعه؟

بحسب متابعيه، إنه في أكثر من موقف جرى تبرير “زحطاته” كون تجربته جديدة وردود فعله عفوية، صادقة، ناتجة عن قناعات وطنية، ولأن البلد لا يتحمل المناكفات، “وهو مع الطرح الانقاذي التغييري ويمد يده للجميع على قاعدة حلحلة الملفات ولو بالقطعة من أجل مصلحة الجميع عبر تدوير زوايا لتمرير خطط الإنقاذ بعيداً عن المناكفات. وعليه شهد اللبنانيون على تمايز مواقفه، ففي محطات عدة غرّد خارج سرب الكتلة التغييرية ومارس إستقلالية مدروسة، معبّرة عن موقف الفريق السياسي الذي رشحه على لائحة التغيير في الدائرة الثالثة في الجنوب، لكسر لائحة الثنائي والممانعة”.

جاء موقفه الأخير بالقول إنه مع المسيّرات والمسيرات، “ليصب المسؤولية على الدولة في غموض موقفها من خط الترسيم البحري الحدودي، ومتخوفاً من سلوك للسلطة مشابه لما جرى بعيد إتفاق القاهرة في العام 1969، إذ تحول أمر الدفاع عن الجنوب من اعتداءات اسرائيل نتيجة الفراغ وعدم قيام الجيش اللبناني بالدفاع عن الجنوبيين، مما سمح بانتشار الفلسطينيين عسكرياً، وبهذا المعنى لا بد من موقف واضح للدولة والاعلان بشفافية عما يدور في كواليس المفاوضات بين كاريش وقانا وخطي الـ 23 و29”.

بالنسبة الى بعض التغييريين، فإن “هذا الموقف يظهر تمايز جرادة فيه عن النواب التغييريين الآخرين، لكنه يهمل حقيقة أنه لم يصل الى موقعه بالكوتا الى البرلمان، بل بأصوات التغيير في الشوارع الاعتراضية المختلفة لخرق البلوكات والقلاع الطائفية والمذهبية والسياسية، التي عملت بجهد لإيصال صوتها، في تحد واضح ليس لحزب الله والرئيس نبيه بري وحركته وحسب، وإنما للنظام السوري، ولذلك من المستغرب سلوكيات تتماهى مع النظام السوري الساعي الى حماية حزب الله وتبرئته من إحتلاله الدولة بقوة سلاحه، وتتجاهل أن المسيّرات التي تحلق فوق كاريش هي مسيّرات إيرانية، تستعرض فائض قوتها بعد فشل مفاوضات النووي”.

ويذكر هؤلاء جرادة بـ “أصوات المغتربين التي صبّت لصالحه من دون معرفة من هو إنطلاقاً من ضرورة التصويت للائحة قوى التغيير في النبطية – مرجعيون التي وضعت في وجه الثنائي وودائع النظام السوري، فكانت معركة قاسية وخطرة، أوجدت حالة من توازن الرعب وخرقت جدار الصمت، حتى كاد بعض من قاطع الانتخابات يتندم على موقفه ويتمنى لو أنه صوّت لزيادة الحواصل وربما خرق ثالث. لكن كانت المفاجاة غير المتوقعة بمواقف جرادة التي أعلنها وحاول تبريرها حزبيون يحاولون التذاكي لتمرير رسائل تتماهى مع حزب الله وحليفيه السوري والإيراني وتدّعي أنه من ساحات الثورة لذر الرماد في العيون”.

وبرأيهم أن “القشة التي قصمت ظهر البعير هي ذهاب جرادة الى سوريا ورده بطريقة غير مبالية بالقول انه ذهب ليقدم محاضرة علمية كطبيب، وهو يمارس هذه المهنة منذ فترة طويلة ولا يريد الاستماع الى الآراء التي هاجمته وهو يعتاش من هذه المهنة قبل أن يصبح نائبأ وسيبقى يعتاش منها”.

وهنا تتساءل هذه الأوساط التغييرية عن معنى هذا الرد؟ إذ كيف يذهب جرادة ويمد يده الى النظام السوري بحجة علمية، أليس هذا السلوك يشبه تقديم أوراق إعتماد له وخيانة لها، بعد خوض معركة انتخابية في وجه “زلمة” السوريين الذي أسقطته المعارضة وجعلت منه نائباً ليمثلها؟

وتلفت الى موقفه بعد عودته من دمشق من قضية المسيّرات، وهو موقف ملتبس ويتجاهل توجهات الناخبين الذين إختاروه ليمثلهم، لكن لم يعطوه “كارت بلانش” على مواقف لا يمكن تبريرها، وعدم الاستفسار عن مقاصدها، وهي ليست تمايزاً وإنما إعلان سياسي من قضايا خلافية بين اللبنانيين، علماً أن عليه التماهي مع مواقف من إنتخبوه وأوصلوه الى المجلس النيابي وليس التماهي مع مسيّرات “حزب الله”، وإن كان الإلتزام بموقف وطني يعنيه، يفرض عليه قراءة مواقف وزير الخارجية ورئيس الوزراء ومجلس الوزراء الذين تبرؤوا من المسيرات مع كلام عن استئناف المفاوضات حول الترسيم، بينما كان الأمين العام لـ “حزب الله” أعلن في السابق أنه وراء موقف الدولة الا أنه بسبب تبعيته وكونه شغالاً وفق ساعتها استعرض مسيرات ايران في لحظة تعثرت فيها المفاوضات النووية، “فكيف يسمح جرادة لنفسه في أمر مثير للجدل بتبني موقف يجيز لحزب الله اطلاق المسيرات ويؤيده في وقت لم تتبناه الدولة، وهو إستعراض غبي يستخدم اللبنانيين ليوجه رسالة إيرانية وفي وقت كان يعقد فيه الاجتماع العربي التشاوري في بيروت ويعلن عن تضامنه مع لبنان المأسور من حزب الله؟”.

وبإعتبار هذه الأوساط، أن “ليس المطلوب من جرادة ممارسة المناكفات في الجنوب ضد حزب الله ولكن يجب أن يحافظ على هويته، فأي رسائل يريد أن يوجهها الينا فليوجهها مباشرة لأننا نتكلم لغة واحدة، ولا يجعلنا في حيرة. فالواضح أنه يريد فتح العلاقة مع النظام السوري مبرراً أن هناك دولاً يجب التحاور معها. فعلام ارتكز في فتح باب الحوار هذا؟ هل يتماهى مع التيار الوطني الحر؟ علماً أن ابواب الجامعة العربية لم تفتح أبوابها لهذا بعد. ثم ألا ينظر الى أسباب إندلاع الثورة السورية؟ صحيح أن هناك أنظمة عربية حاولت استيعاب النظام السوري بسعي من روسيا التي تريد تمرير مصالحها عبر الانفتاح على عرب الاعتدال، لكنها لا تزال ترى أن هذا النظام يغطي الميليشيات الإيرانية ولا يريد الاصلاح وهو يشكل خطراً على سوريا والمنطقة بكاملها، فمع من سيفتح جرادة الحوار مع الجيران ويتناسى ما حدث عندما نجح اللبنانيون في إخراج الجيش السوري وفي انتخابات 2022 التي أسقطت رموز النظام السوري وودائعه من أحزاب وشخصيات دأبت على تمرير سياساته ومواقفه؟ إلى أي شاطىء يسبح جرادة؟ وهل صارت مصالحه الشخصية كطبيب عيون مختص يجري عمليات في سوريا، أقوى من المواقف السياسية؟ ولماذا يتهرب من الخطاب الملتزم بالثورة بعد أن نجح على أكتافها أم سيتحلى بقوة الوفاء لمن إنتخبه؟”.

شارك المقال