السلطة اللبنانية مصمّمة على اعادة النازحين لكن هل الأسد يريدهم؟

جورج حايك
جورج حايك

بسحر ساحر، قفز ملف النازحين السوريين في لبنان إلى الضوء، بعدما تعرّض للإستغلال السياسي من هنا وهناك، لكن التوقيت الذي يطرح فيه الموضوع يعود إلى سببين أساسيين: الأول محق وهو عدم قدرة لبنان المأزوم سياسياً واقتصادياً واجتماعياً على تحمّل أعباء النازحين السوريين، والثاني يتعلق ببحث العهد العوني عن انجاز معين يحقق في الأشهر الثلاثة الأخيرة الباقية له.

والمفارقة أن هذا الملف كان ولا يزال مادة لتراشق القوى السياسية وتحميل المسؤولية لبعضها البعض، وتدخل فيه تأثيرات عديدة أهمها استمرار استبداد النظام السوري وعدم ثقة المجتمع الدولي والأمم المتحدة بعودة آمنة لهؤلاء النازحين الذي لا يقل عددهم عن مليون و800 ألف، منتشرين في المناطق اللبنانية كافة في أحياء شعبية ومخيمات تتسّم بالبؤس والفقر والأمراض.

لا شك في أن هذا الملف يحتاج إلى حل سريع لأن لبنان الرازح تحت انهيار اقتصادي غير مسبوق لم يعد قادراً على استضافة هؤلاء، بصرف النظر عن بعض الأهداف السياسية الضيّقة التي يبحث عنها “التيار الوطني الحر” من انهاء هذا الملف.

هناك حقيقة تاريخية مثبتة بالوقائع بأن دخول النازحين السوريين حصل في حكومة 8 آذارية بامتياز عام 2011، كان يشارك فيها “التيار الوطني الحر” و”حزب الله” على نحو فاعل ووازن، فهذه الحكومة التي ترأسها نجيب ميقاتي أشرفت على عشوائية دخولهم بدلاً من تنظيمه أسوة بدول الجوار الأخرى، والأسوأ من ذلك كلّه أنّ هذه القوى تتجاهل ما تقدّم وتزايد بضرورة عودتهم، والأسوأ أيضاً أنّ هذه القوى هي حليفة النظام السوري الذي يحول دون عودتهم، فإما فشلت في إقناعه بموجبات العودة، وإمّا أنّ مواقفها تندرج في سياق توزيع الأدوار بينها وبينه ومواقف مسرحية لا تنطلي على أحد.

وقد أسقطت الأحداث ثلاث كذبات:

– الكذبة الأولى أن طريق عودتهم تمرّ بموسكو، فطار رئيس الجمهورية إلى موسكو واعداً، وعاد منها خائباً.

– الكذبة الثانية أنّ طريق عودتهم تمرّ بحارة حريك، فنظّم “حزب الله” حملة دعائية عن فتح مراكزه لتسجيل النازحين تمهيداً لعودتهم، وانتهت الحملة واستمرّ النازحون في لبنان.

– والكذبة الثالثة أنّ 14 آذار وعمقها العربي والغربي يتحملون مسؤولية استمرار النازحين، علماً أنّ مسؤولية دخولهم وعشوائية هذا الدخول تقع على عاتق 8 آذار، ومعلوم أن “حزب الله” فضّل دخولهم العشوائي لسببين: السبب الأول خشيةً من وضع جسم معاد له في مخيمات يصعب ضبطها لاحقاً، وهذا غير صحيح لجهة الضبط. والسبب الثاني من أجل توظيفهم عند الحاجة برفع المسؤولية عن كاهله ورميها عليهم.

مع ذلك، تبدو السلطة اللبنانية مصممة هذه المرة على عودة النازحين السوريين إلى سوريا، وهذا ما بدا واضحاً في مواقف للرئيسين ميشال عون ونجيب ميقاتي، وتجري اتصالات كثيفة مع النظام السوري والتنسيق مع لجان دولية معتمدة في الأمم المتحدة في الشأنين الحقوقي والانساني، وتقضي الخطة بإعادة 15 ألف نازح سوري كل شهر.

قد تكون الخطة للوهلة الأولى سهلة التنفيذ، إلا أن المسألة ليست كما يتصوّرها البعض لأن المراجع الدولية المعنيّة بأمر هؤلاء النازحين ترفض عودتهم بصورة عشوائية وغير آمنة إلى بلادهم، ودعت إلى التراجع الفوري عن خطة ترحيلهم إلى بلادهم قسراً، والامتناع عن اتخاذ أي إجراء من شأنه تعريض أمنهم وسلامتهم للخطر.

واعتبرت مراجع قانونية دولية أن إعادة اللاجئين على عكس إرادتهم يمثّل انتهاكاً واضحاً لمبدأ عدم الإعادة القسرية، والذي يحمي اللاجئين من الطرد أو الإعادة إلى بلدان تكون فيها حياتهم أو حرياتهم معرضة للخطر، ويشمل ذلك إمكان تعرضهم للتعذيب والمعاملة القاسية والمهينة.

واللافت أن لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بسوريا أكّدت في تقرير لها في أيلول 2021، أنّ سوريا لا تزال مكاناً غير آمن أو مستقر لعودة اللاجئين إليها، أو حتى عودة النازحين داخلياً إلى مناطقهم التي اضطروا إلى تركها بسبب النزاع المسلح.

لكن من جهة أخرى، لا يمكن لهذه المرجعيات التغاضي عن الأزمات المعقدة التي يعاني منها لبنان نتيجة وجود هؤلاء النازحين في لبنان، وبالأرقام إن حجم خسائره حتى الآن جراء النزوح السوري بلغ 9 مليارات و776 مليون دولار، إضافة إلى أن هؤلاء أنهكوا بنيته التحتية، واستهلكوا جزءاً من مدّخراته في سنوات دعم الليرة، وفي سنوات دعم المواد بعد انفلات سعر صرف الليرة.

أمام هذا الواقع، لا بد، على الأقل، من إعادة النازحين السوريين الذي يدخلون سوريا ويخرجون منها بحرية، اضافة إلى آلاف السوريين الذين انتخبوا بشار الأسد العام الفائت، وهؤلاء لا شيء يعوق عودتهم، والمطلوب من حكومة تصريف الأعمال اجراء مسح دقيق لإخراج هؤلاء من لبنان كخطوة أولى جدية.

وهنا لا بد من السؤال: هل يا ترى رئيس النظام السوري بشار الأسد يريد عودة هؤلاء النازحين؟ الجواب يأتي من أبناء القرى السورية المحاذية للبنان في ريف حمص والقصير والقلمون وغيرها الذين يمنع عليهم العودة إلى قراهم واستثمار أراضيهم، لا بل هناك محاولات مستمرة لإجبار النازحين على بيع أراضيهم، ضمن مخطط التهجير الديموغرافي – العنصري. وثمة من يقول ان خطة الحكومة اللبنانية لن تبصر النور، وتعتبر أن الوسيلة الفضلى لتسهيل عودة السوريين إلى بلدهم، تبدأ بوقف عصابات بشار الأسد ممارساتها ضد العائدين، ومنع عمليات الخطف والإخفاء والترهيب والتصفية الجسدية وإجبار الشباب على الالتحاق بالخدمة الإجبارية! علماً أن موقف روسيا غير مشجع إذ يؤكد أن لا عودة للنازحين من دون تعاون روسي – أميركي!

من الواضح أن قوى عديدة تريد اليوم إعادة النازحين السوريين إلى بلدهم وأهمها عون وميقاتي والبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي و”القوات اللبنانية”.

لكن لـ”القوات” رأي خاص في هذا الموضوع، إذ تقترح إقامة مخيمات للنازحين السوريين على الحدود اللبنانية – السورية من داخل سوريا برعاية دولية، وأهمية هذا الطرح مثلّث الأبعاد:

– البعد الأول إخراجهم من لبنان من أجل رفع أعباء استمرارهم عن كاهل مجتمع فقير ودولة منهارة تشهد حركة هجرة غير مسبوقة، ومن غير المسموح في أوضاع كارثية من هذا القبيل استمرار مليون ونصف المليون لاجئ سوري، خصوصاً أنّ لبنان لم يقصِّر عندما كان قادراً والحرب مستعرة، أما وأنّ الحرب السورية توقّفت والأزمة المالية اللبنانية تفاقمت، فلم يعد من مبرر وسبب لاستمرارهم في لبنان.

– البعد الثاني إعادتهم إلى داخل الأراضي السورية تعني تسهيل عودتهم من سوريا إلى سوريا، ولكن الأهم من ذلك الحؤول دون توطينهم في الدول التي نزحوا إليها، لأنّ النظام السوري لأسباب ديموغرافية واضحة ومكشوفة لا يريد عودتهم إلى سوريا.

– البعد الثالث وضعهم في مخيمات على الحدود من الجانب السوري يؤدي إلى تنظيم أوضاعهم، وتهيئة عودتهم التدريجية، ويُبقي المساعدات الدولية لهم كما الحماية الدولية لوجودهم في ظلّ سعي النظام السوري الى التخلُّص منهم.

وقد أظهرت الأحداث انه لو تبنت الدولة وجميع القوى السياسية طرح “القوات اللبنانية” لكان المجتمع الدولي اضطر إلى إقامة منطقة آمنة على الحدود من الجهة السورية ونقل النازحين السوريين إليها، ولكانت عولجت إشكالية تُرهق المجتمع اللبناني منذ أكثر من عقد من الزمن، ولكن لا حياة لمن تنادي، وعلاوة على ذلك كلّها مزايدات من دون تقديم أي حلول واقعية وعملية للأزمات المفتوحة. والمزايدات تجلّت في أوضح مظهر عندما سُئل وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال الدكتور عبد الله بوحبيب عن اقامة منطقة آمنة على الحدود اللبنانية – السورية للنازحين السوريين، فأجاب: “ليس هناك هكذا طرح، ولن نقبل بهكذا طرح، ولا نريد إقامة مخيمات على حدودنا”.

فالفريق الحاكم تعريفاً هو مولِّد للأزمات، ويستحيل أن يكون المعبر لحلّ هذه الأزمات التي لا يمكن وضعها على سكة الحلول سوى من خلال عهد جديد يجمع بين الحيثية والمبدئية وحُسن الإدارة الدولتية.

شارك المقال