حارة “كل مين إيدو إلو”

صلاح تقي الدين

هو الوصف الأفضل الذي يمكن إطلاقه على حالة البلاد حيث أن كل فريق سياسي يغني مواله غير مترئف بحالة اللبنانيين ولا ينظر إلى المصلحة العامة، بل جلّ تركيزه على المكتسبات التي يمكنه تحقيقها في الأيام المعدودة المتبقية من عمر العهد القوي.

وبات واضحاً من المسار الذي اتخذته التطورات السياسية في الفترة القصيرة الماضية أن جميع القوى أصبحت على قناعة بأن من شبه المستحيل تأليف حكومة لن تعمّر سوى ثلاثة أشهر ونيف نظراً الى الشروط التعجيزية التي يضعها رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل أمام رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي، وبالتالي انتقلت الى البحث في هوية رئيس الجمهورية المقبل ومواصفاته.

وازاء انشغال هذه القوى بالبحث ومحاولة الوصول إلى تزكية المرشح الفلاني على حساب المرشح العلاني، وهو أمر طبيعي لو كان البلد ينعم بالاستقرار المعيشي والصحي والتربوي والاقتصادي المفقود، انفلت زمام الأمن الاجتماعي إلى درجة حذّرت مصادر أمنية من أنه في حال استمر الاحتقان الشعبي على ما هو عليه، فإنها تتوقع انفلاتاً أمنياً لن يكون بمقدور القوى المولجة حفظ الأمن ضبطه.

كل هذا يحدث كما لو أن القوى السياسية تعيش في “لالا لاند”، فتعقد اجتماعات بعيدة كل البعد عن منطق الأمور ومسارها الذي كان سائداً بينها في فترة الانتخابات النيابية، فترى النائب المحسوب على كتلة رئيس تيار “المردة” فريد الخازن يجتمع مع باسيل فتكثر التحليلات والتوقعات حول نتيجة هذا الاجتماع الذي لم يكن ليخطر على البال. كما ترى النائب المنتخب حديثاً عن “التيار الوطني الحر” غسان عطا الله في زيارة “سؤال خاطر” لرئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط، الأمر الذي كان أيضاً متعذّراً بحسب رأي جمهور الطرفين.

في الاجتماع الأول، ذكرت معلومات إعلامية أن فحواه كان على شكل مسعى قاده الخازن لدى باسيل ويتعلّق بمحاولة “جس نبض” الأخير في ما يتعلق بحظوظ فرنجية في الوصول إلى قصر بعبدا وأن يحظى بموافقة باسيل لقاء ثمن سياسي يضمن له مستقبله بعد مغادرة عمه قصر بعبدا، غير أن مصادر “ميرنا الشالوحي” سارعت إلى نفي الموضوع لا بل نقلت بعض التقارير الاعلامية عن مصادر مقربة من باسيل شخصياً رفضه أي طرح في هذا الخصوص.

أما بخصوص الاجتماع الثاني، فإن المعلومات تفيد بأن جنبلاط الذي يضع مصلحة العيش المشترك في الجبل في مقدمة اهتماماته وتركيز المصالحة التي انعقدت في قصر المختارة برعايته والمغفور له البطريرك الراحل نصرالله بطرس صفير، تلقى طلباً من عطا الله نقله صديق مشترك لهما، ليناقشا موضوع كيفية تعزيز الدورة الاقتصادية في الجبل لتمكين الأهالي من الصمود، وإبلاغ جنبلاط بنيته فتح مكتب له في بلدة دير القمر.

وفي “حارة كل مين إيدو إلو”، يحاول الخازن المحسوب على فرنجية وعضو الكتلة النيابية التي يترأسها فرنجية الابن، جس نبض باسيل إذا كان بإمكانه تجيير أصوات كتلته النيابية لصالح فرنجية الأب في انتخابات الرئاسة المقبلة، وهو يدرك سلفاً أن مثل هذه المحاولة لن يكتب لها النجاح، فعمى البصيرة لدى باسيل يمنعه من التفكير بأي شخص يخلف عمه في قصر بعبدا بخلافه، ومع ذلك حاول الخازن وخرج خائباً وفق مصادر “ميرنا الشالوحي” والمقربين من باسيل نفسه.

وبالنسبة الى عطا الله، فالمحاولة مختلفة إذ يعوّل كثيرون ومن ضمنهم عطا الله وفريقه على انفتاح جنبلاط الدائم على تعزيز المصالحة التي رعاها ولا يزال، وهذا يشمل كل أبناء الجبل بمن فيهم عطا الله نفسه الذي كان من الذين يخشون النوم بين الدروز، على الرغم من أن باسيل الذي يدين له عطا الله بالولاء، سبق أن أعلن بوضوح أن مصالحة الجبل لم تشمله وهو يطالب بمصالحة خاصة به.

كل فريق يغني على ليلاه، ويحاول استشراف المستقبل الخاص به، غير مبال بما يدور في الشارع وحال ناسه الذين يفتشون عن الدواء وإن وجدوه فليس بإمكانهم شراؤه، ويبحثون عن رغيف الخبز الذي يحاول وزير الاقتصاد تأمينه لكن يواجه مافيا طحين ومطاحن ليس بمقدوره التغلب عليها، ويتطلعون إلى محطات الوقود التي وبسحر ساحر خفت طوابير الذل أمامها بسبب ارتفاع أسعار المحروقات لدرجة بات من الصعب عليهم تعبئة خزانات سياراتهم، ناهيك عن أولئك الذي يحاولون تأمين مازوت التدفئة المفقود والغالي، وأؤلئك الذين يضربون أخماسهم بأسداسهم بعدما سمعوا تحذير وزير التربية من صعوبة بدء العام الدراسي المقبل، حقاً إنها حارة “كل مين إيدو إلو”.

شارك المقال