موسم الفوضى “الحار” في طرابلس: مخطط هادف أم هاجس عابر؟

إسراء ديب
إسراء ديب

ليْست المرّة الأولى التي يتدهور فيها الوضع الأمنيّ في مدينة طرابلس التي اعتادت على أحداث عسكرية وأمنية مختلفة تحصل على مدار السنة وتشتدّ فعلياً قبل الأعياد، وكانت تستدعي تدخل كبار رجال الدولة والأمنيين حينها للحديث عنها أو سعياً الى الحدّ من تداعياتها الخطيرة عبر اتخاذ إجراء تارة أو الاجتماع من أجلها تارة أخرى، لكن على ما يبدو اليوم فإنّ المدينة تدخل وبدفعة قوية إلى مرحلة الغموض الأمنيّ الذي يُنبئ بموسم صيفي “حار” أمنياً ترتفع معه حرارة الأزمات ويشتدّ بسببه غضب الأهالي وحزنهم.

أكثر من جريمتي قتل وتعدّ في يومٍ واحد، سقوط قتلى وتشييعهم بغصّة وانكسار، وقوع جرحى، توتر أمنيّ فاضح، سرقات متنوّعة بلا أيّ حسيب أو رقيب، فضلاً عن غياب شبه تام للحزم الأمني والخطط التي كان عليها مرافقة الأهالي خاصّة في عيد الأضحى الذي تحوّل من التضحية بالخراف إلى تضحية الناس ببعضهم البعض، بعيداً عن الخوف من القصاص والعقاب… وغيرها من الأحداث والجرائم التي لا نسمع لها “صدى”، إذْ تعود بعد انقضائها الحياة إلى طبيعتها وسيرتها الأولى سريعاً وهو ما يُعدّ مستغرباً، وحدها صرخة الأمّهات أو الآباء كانت تُعبّر عن شدّة الأزمة التي باتت تُعانيها طرابلس التي لا تُواجه وحدها هذا المستوى من الجرائم محلّياً، لكنّها تشهد على نسبة مرتفعة منها خاصّة خلال الفترة الأخيرة، إذْ لا تكاد تمرّ ليلة في طرابلس إلّا وتحصل فيها مصيبة غير متوقعة ما يُثير أسئلة حول سبب هذه الجرائم من جهة، وسبب صمت القوى الفاعلة سياسياً، دينياً، وشعبياً عنها على الرّغم من أهمّية تحرّكها أخيراً من جهة أخرى.

جرائم عنيفة وغير متوقعة

يقول مرجع ديني لـ “لبنان الكبير”: “لا نشهد مثل هذه الجرائم العنيفة سوى في مجتمعاتنا التي ابتعدت عن ثوابت دينها من جهة، والثوابت العلمية من جهة ثانية وذلك نظراً الى أهمّية التعليم لدفع المجتمعات إلى مزيد من الرقي والتقدّم فكرياً، وهذا لا يُلغي دور المرجعيات الدينية التي يستخف بعضها بتثبيت القيم الاجتماعية والمبادئ الدينية، إذْ عليها تكريس جهودها بتضافرها جميعاً للتفكير جدّياً بـ (الوكسة) الثقافية والدينية التي نُعاني منها من خلال استهداف حاجات هذا المجتمع عبر تشكيل لجان أو أيّ طريقة للاجتماع ولو شهرياً للالتقاء بالشبان أو إلقاء خطب خاصّة لتوعيتهم لا سيما صغار السنّ في هذه المرحلة تحديداً، بدلاً من التفكير بمركز أو منصب مالي أو إداري فحسب”.

من جهته، يوضح مصدر أمنيّ أنّ “الجرائم التي تقع شمالاً وتحديداً في كلّ من طرابلس، المنية والضنية، باتت تُنفذ لأتفه الأسباب وأسخفها، وتحدث علناً بحجج قد نراها واهية لكنّها تعود أيضاً إلى ظروف وأسباب شخصية قد لا يُعلن المقرّبون من القاتل أو المقتول عنها مباشرة للعلن، لكن قد تتضح من خلال التحقيقات التي تُجرى في أسرع وقتٍ ممكن”.

وإذْ لا يعتبر المصدر أنّ القوى الأمنية مقصّرة في مهامها، يُؤكّد في الوقت نفسه أنّ “القوى الأمنية تُلقي القبض سريعاً على المرتكبين أو تبحث عنهم لإحقاق الحقّ، لكن بعض المطلوبين قد يفرّ من العدالة بسبب تدخلات سياسية، لأنّه يحظى بتغطية سياسية قد تُفرج عن المتهمين بعد ساعات أو أيّام”.

وفي السياق، يتحدّث المصدر عن الأسلحة المستخدمة في القتل وإحداث الفوضى، ويقول لـ”لبنان الكبير”: “لن نستغرب إذا استخدم القاتل سكيناً مثلاً لتنفيذ جريمته، لكنّنا نستغرب حين يستخدم أسلحة ثقيلة وهذا ما نرصده خلال عملنا، الا أنه في الفترة الأخيرة لا سيما في الأعياد استخدمت طرق عادية للقتل ولأسباب شخصية أكثر لا علاقة للسياسة بها، وهذا ما يُبعد شبح فكرة أنّ المدينة مستهدفة حالياً لنشر الفوضى، إذْ ليست هي الوسيلة الصحيحة لتنفيذ هذه الغاية، أيّ أنّ الصدفة وضعت هؤلاء الضحايا في قبضة مجرمين يهربون من وجه العدالة والقانون بسبب الانفلات الأمني وعدم تطبيق القانون لا بسبب أجندات، فالأجندات السياسية لا ننكر أنّها جاهزة وموجودة، لكنّها لم تكن عبر هؤلاء حالياً”.

ويشدد على أن “الفوضى التي حصلت في العيد ليست الأولى من نوعها، ولن تكون الأخيرة بالتأكيد”، طالباً من المواطنين اتخاذ كلّ أساليب الحيطة والحذر خاصّة في أوقات المساء لحماية أنفسهم والمقرّبين منهم، “فلا ننسى وقع الأزمات المالية على رغبات الناس، ولا نغفل عن خطورة المخدّرات وغيرها من الآفات التي قد تتحكّم في نفس القاتل”.

شارك المقال