معركة الرئاسة… البحث عن “ناخب ملك”!

أنطوني جعجع

لا يبدو لبنان متجهاً الى انتخابات رئاسية تشبه تلك التي أجريت في استحقاقات سابقة ومنها في العام 2016، لا على مستوى المرشحين ولا على مستوى الناخبين، اذ أن أجواء تلك المرحلة ولاعبيها وعرابيها وحساباتها وأخطاءها تختلف عن أجواء المرحلة الراهنة…

فلا “حزب الله” يقبض على مرشح واحد “فقط لا غير”، وليس في الأفق مرشحاً يشبه ميشال عون “المتسلح” بطموح جارف وقوة نيابية وشعبية يعتد بها، اضافة الى تحالف وثيق مع محور الممانعة، وليس بين الناخبين أيضاً من يستعد لارتكاب خطأ استراتيجي شبه قاتل كما حدث في “طبخة” معراب قبل ست سنوات، وليس بين الناخبين من يرغب في ادارة ظهره والتسليم بما يقرره حسن نصر الله ويمشي به الآخرون.

لا شك أن ما عاناه اللبنانيون في عهد نصر الله – عون لن يتكرر بقرار محلي وخارجي، وأن ما عاناه المجتمع الدولي والعربي مع هذا الثنائي على مدى ست سنوات لن يترك شيئاً للصدفة أو للحياد أو للتفرج ونفض اليدين، ولن يتعامل مع الاستحقاق الرئاسي وكأنه أمر ثانوي لا صلاحيات له ولا تواقيع حاسمة ولا أدوار استثنائية.

ربما تكون المرة الوحيدة منذ انتخاب سليمان فرنجية رئيساً، يتخذ الانتخاب الرئاسي المقبل بعداً سياسياً واستراتيجباً يتخطى الحدود والأحزاب والكتل وحتى السلاح، في ظل مجلس نيابي معقد ومتنوع لا يستطيع أحد مصادرته أو تطويعه أو احتكار غالبيته في شكل مضمون أو مطلق.

انه البرلمان الوحيد في تاريخ لبنان الحديث الذي يغني كل فريق فيه على ليلاه، فلا مايسترو يقوده ولا برنامج يجمعه، ولا سلاح يخيفه، ولا محور يحتويه، ولا فريق سياسي قادر على انتاج كتلة وسطية قادرة على تغيير الأرقام والمعادلات كتلك التي أسقطت الشهابية في العام 1970.

فما يجوز في جلسة نيابية قد لا يجوز في أخرى، وما يتحول الى تكتل اليوم قد يتحول الى تكتلات غداً، ومن كان يملك في الأمس القرار الفصل، لا يملك اليوم الا لعبة المسايرات والصفقات وربما المغريات والتهويلات التي لا تحمل في الضرورة مقومات النجاح، حتى الهش منها، كما حدث في انتخابات رئاسة البرلمان ونيابتها.

وما يساعد على ذلك، سقوط نظرية “القوي” في طائفته، وهي النظرية التي تمسك بها عون ونصر الله للسيطرة على قصر بعبدا، وسقوط هيبة السلاح لدى القسم الأكبر من الرأي العام الذي بات يرى فيه سبباً أساسياً من أسباب الانهيار الذي يعانيه على المستويات كلها، وسقوط نظرية “الناخب الأوحد” أو “الناخب الأقوى”، مع دخول الولايات المتحدة وحلفائها على خط “الطبخة” الرئاسية، ودخول السعودية ودول الخليج على خط الجوجلات التي تجرى لتحديد المرشح الأكثر استقلالية والناخب الأكثر تحرراً.

والواقع أن الغرب والعرب لا ينوون هذه المرة الاعتماد على أي ضمانات تشبه تلك التي قدمها سمير جعجع وبعده سعد الحريري عندما سلما بترئيس ميشال عون، ولا ينوون أيضاً القبول بسقوط الرئاسات الثلاث في قبضة ايران، ولا بقيام هيكل سياسي يفتح الطريق أمام قيام جمهورية لبنانية على غرار الجمهورية الاسلامية تشكل نداً للقلعة الأمنية والاستراتيجية التي تبنيها أميركا في عوكر تحت شعار: “نحن هنا لنبقى”، وحلقة أساسية في الهلال الشيعي المتطرف الممتد من طهران الى شواطئ البحر المتوسط حيث انطلق استخراج الغاز الاسرائيلي الذي تحتاج اليه أوروبا بالحاح بعد الحرب الروسية على أوكرانيا.

وما يجري الآن من تحركات واتصالات خفية وعلنية، كتلك التي بين جبران باسيل ووليد جنبلاط، أو بين جعجع ونواب التغيير والمعارضة، أو بين محور الممانعة وبعض النواب المتغيرين والتغييريين، ليست سوى حركة بلا بركة، أو مجرد حراك يراوح مكانه أو في أفضل الأحوال محاولة لجس النبض من بوابة أخذ العلم وتصويب الحسابات.

حتى الآن، ليس في كواليس الفاعليات اللبنانية أي مرشح يمكن أن يكون الأكثر حظاً أو الأكثر قبولاً بين الأسماء المتداولة هنا أو هناك، وليس في الأفق اللبناني “الناخب الساحر” الذي يمكن أن يسحب الرئيس المقبل من قبعته، بل ما هو متوافر حتى الاَن هو أمر وحيد: لا شيء اليوم يشبه ما كان في الأمس ونقطة على السطر.

انها مسألة شد الأحزمة على كل المستويات، استعداداً لخوض معركة رئاسية تكاد تكون للمرة الأولى منذ انتخاب بشير الجميل محور اهتمام عالمياً، وتكاد تكون للمرة الأولى منذ انتخاب سليمان فرنجية، معركة الصوت الواحد، وتكاد تكون للمرة الأولى منذ انتخاب فؤاد شهاب معركة الحرب على الفساد الذي حوّل لبنان من دولة مواطنين، الى دولة نازحين ولاجئين وفاسدين وارهابيين.

من هنا يجمع المراقبون المحليون والدوليون على أن أبناء البيت لن ينجحوا وحدهم في اختيار رئيسهم المقبل، اذ ثمة جيران كثر يتربصون في الزوايا للحصول على “نائب” يمكن أن يحمل لقب “الصوت الواحد” الذي يمكن أن يبقي لبنان في قبضة “حزب الله” أو أن يخرجه الى الحرية.

من هو هذا النائب الملك؟ ومن هو هذا المرشح الملك؟

في العام 1970، كان هذا النائب الملك يدعى فؤاد غصن، فهل يكون غداً من كتلة التغيير أو من كتلة المستقلين أو من كتلة النواب السنة؟

ومن يكون المرشح الملك؟

في الستينيات كان فؤاد شهاب وفي السبعينيات كان الياس سركيس…

ترى في العام 2022 من يكون؟

رئيس يكمل عهد عون؟ أم رئيس يسقط بالمظلة؟ أم فراغ ينبت عشباً على درج القصر…؟

في الانتظار، يقول سياسي مخضرم عايش الكثير من الاستحقاقات الرئاسية، إن العالم يبحث في المكان الخطأ، اذ أن المطلوب ليس رئيساً للجمهورية المتهالكة بقدر ما هو تكبيل “حزب الله” الذي لا يبدو في وارد التسليم بأي خيار لا يكون خياره حتى لو لجأ الى السلاح كما فعل في “السابع من أيار”.

ويضيف: الدخان الأبيض لن يخرج من مواقد لبنان بل من مواقد اقليمية ودولية محض، قائلاً: عبثاً يحاول المرشحون الظاهرون تمهيد الطرق الى بعبدا، إذ أن لبنان اليوم هو لبنان الغاز والنفط، وأن ما بعد أوكرانيا لن يكون كما قبلها، وأن “حزب الله” اليوم هو غيره في العام 2016.

ويضيف في هذا السياق أن اسم الرئيس المقبل سيكون بعد أيام طبقاً رئيساً بين الرئيس جو بايدن والعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، وأن ملف “حزب الله” وايران سيكون على خط آخر الملف الأكثر سخونة بين الرئيس الأميركي والمسؤولين الاسرائيليين.

وسط هذا المشهد يبدو أن العالم في لبنان قد يكون أمام 3 خيارات: اما سلاح الرئاسة واما رئاسة السلاح واما رئيس يبقى في القصر بالقوة ولا يخرج بغير القوة.

شارك المقال