جنبلاط يحمل هموم الشعب و”حزب الله” في واد آخر

صلاح تقي الدين

في وقت كانت فيه أنظار العالم مشدودة إلى القمة الخليجية – الأميركية التي استضافتها المملكة العربية السعودية لمعرفة النتائج التي ستصدر عنها، طلع علينا الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصرالله بمحاضرة في “الوطنية والتضحية” مستبقاً القمة ونتائجها، وموجهاً رسائل إلى العدو الصهيوني والادارة الأميركية والقارة العجوز بأكملها، في وقت يرزح فيه الشعب اللبناني تحت وطأة التحديات المعيشية والصحية والتربوية والمالية التي تسبب بها العهد القوي المدعوم فقط من “الحزب وأعوانه”.

لكن رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط وحده من بين جميع السياسيين اللبنانيين طرح تساؤلات تعبّر عن هواجسه المرتبطة بالأمن الغذائي للبنانيين، واضعاً الأصبع مجدداً على الجرح النازف في قطاع الكهرباء، وضارباً نفير الخطر الداهم المتعلق بالاستنزاف المستمر للاحتياطي في المصرف المركزي والذي متى وصل إلى حدوده الدنيا “تخبزوا بالفرح” لن يعود ينفع معها أي تهديد أو وعيد أو رفع أصبع في وجه العدو أو الصديق.

فقد كتبَ جنبلاط عبر حسابه على موقع “تويتر”: “إن تصريح السيد نصرالله وضع حداً لإمكان التفكير بالوصول إلى تسوية حول الخط 23. لقد دخل لبنان في الحرب الروسية – الأوكرانية، لذا وتفادياً لاندلاعها فهل يمكن للسيد أن يحدد لنا ما هو المسموح وما هو الممنوع وذلك أفضل من أن نضيع الوقت في التخمين واحتياط المصرف المركزي يذوب في كل يوم؟”.

من الواضح أن جنبلاط كان يشير إلى خطاب نصرالله الذي حدّد فيه موقف حزبه من مسألة ترسيم الحدود، فبعدما كان أعلن أنه يقف خلف الدولة في مفاوضاتها، عاد ونسف موقفه السابق بعدما أعلن أن المسيرات الثلاث التي أطلقها لتحلق فوق حقل “كاريش” وسفينة “أنيرجين باور” التي على وشك البدء باستخراج الغاز وتصديره إلى أوروبا، هي ليست سوى بداية متواضعة لما يمكن أن يقوم به لتعطيل استخراج الغاز الاسرائيلي ما لم تقم أميركا على حد زعمه برفع الحظر عن استخراج الغاز اللبناني، وهو بذلك دخل فعلياً الحرب الأوكرانية – الروسية التي أسفرت عن وقف ضخ الغاز الروسي إلى أوروبا، وهو يساند موقف روسيا بمنع الغاز الاسرائيلي إلى القارة العجوز.

فهل مسموح للدولة اللبنانية أن تصبح لاعباً في الحرب الدائرة بعيداً عن لبنان آلاف الكيلومترات وليس بقرار منها، بل بقرار من “حزب الله” لصالح الأجندة الايرانية، في وقت تستعر فيه الخلافات السياسية الداخلية في الأيام الأواخر من ولاية العهد القوي، فيتعطل تشكيل الحكومة وتزداد حالة المؤسسات الرسمية تدهوراً وحالة اللبنانيين تقهقراً ولا من يعير أًصوات الجياع والمرضى والفقراء المحرومين من أبسط قواعد العيش الكريم من خبز ودواء ومحروقات للتدفئة؟

ما قدّمه جنبلاط لمساعدة المؤسسات الصحية والتربوية لا يخفى على أحد، لكن ما قام به هو في الواقع من واجبات الدولة ولن يكون بمقدوره الحلول محلها، ومن هنا تراه ينبّه إلى المخاطر المحيطة بنا بدءاً من همّ الاحتياط الالزامي الموجود في مصرف لبنان والذي يتراجع يوماً بعد يوم نتيجة سياسة الدعم التي يتبعها والتي لم تثبت لغاية اليوم أنها سياسة ناجعة بل ليست سوى آخر الدواء أي الكي، وهذا الاحتياط على وشك أن ينفد وعوضاً عن أن يكون الهم الأول والأخير للمسؤولين هو كيفية إيجاد استقرار سياسي يسمح بالشروع في خطة إنعاش حقيقية، ترانا نعيش على وقع تهديدات بشن الحروب نيابة عن دولة الملالي وتحدّ لم يقتصر على العدو الاسرائيلي وحده بل تعداه إلى أبواب الاتحاد الأوروبي وأميركا.

وفي تغريدة أخرى لجنبلاط الذي كان من أول المنادين بحتمية السير في برنامج التفاوض مع صندوق النقد الدولي لأنه لا يرى مخرجاً قريباً من الأزمة الاقتصادية والمالية سوى عبر برنامج يرعاه ويشرف على تنفيذه الصندوق، قال: “وبعيداً عن التحدّي والكلام العالي وانسجاماً مع الواقعية السياسية، فهل من المسموح أن نشرّع الـ capital control، وما هو موقف حزب الله وحلفائه من هذا الموضوع؟ وتباعاً هل مسموح التعاطي مع مؤسسة النقد الدولي وإرساء الصندوق السيادي الذي ترفضه أوساط رئاسة الحكومة وكبار المستشارين؟”.

ومن كلام السيد نصرالله يبدو واضحاً رفض الحزب المهيمن على الدولة وقراراتها السير بخطة التعاون مع صندوق النقد الدولي وشروطه التي يصفها بالقاسية والمذلة، فسؤال جنبلاط أتى في محله وليس اعتباطياً، فهل سيسمح لنجيب ميقاتي بتشكيل حكومة جديدة لن يكون بمقدوره تأليفها إلا إذا مارس الحزب ضغوطه على “حليفه” رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل لكي يتراجع عن شروطه التعجيزية ويفسح المجال لحكومة ميقاتي أن تتابع ما بدأته من خلال حكومة تصريف الأعمال؟

وتابع جنبلاط: “كون الغاز المصري لن يأتي ولا الكهرباء الأردنية في هذه الظروف وبعيداً عن تخيلات كبار المستشارين والوعود الغامضة لبعض السفارات الكبرى فهل يمكن تسليم وزارة الطاقة لجهة مضمونة وبناء معمل واحد فقط بدل حرق الاحتياط وصولاً إلى نفاده والدخول في المجهول؟”.

كما سأل: “لماذا لا تضاف الى محطة الزوق ومحطة الجية مولدات اضافية بقدرة 500 ميغاوات في كل محطة تفادياً لبناء محطات جديدة واختيار مواقع جديدة؟ كلا الجية والزوق تتمتعان بالبنى التحتية الكافية مع تطويرها وكلا المحطتين كانتا أساساً لكهرباء لبنان طوال عقود”.

ومن غير جنبلاط طيلة السنوات الماضية كان يركز في انتقاداته على موضوع الكهرباء التي استنزفت مبلغاً يفوق الأربعين مليار دولار والتي هي السبب الأول والرئيس في تدهور الأوضاع المالية والاقتصادية في لبنان، وهو لا يتوانى عن طرح أفكار ومشاريع علّها تصل إلى آذان المسؤولين فيلجأون إلى تخليص وزارة الطاقة من “سلبطة” باسيل ومستشاريه عليها وتبدأ مشاريع الاصلاح الحقيقية من هذا القطاع؟

بعد خطاب السيد نصرالله الذي عطّل كل إمكانات الحلحلة للوصول إلى حكومة جديدة، وتغريدات جنبلاط التي تعبّر عن هموم الشعب بأكمله، بات جلياً أن جنبلاط يفكّر في كيفية معالجة مسائل هي من صلب واجبات الدولة لحماية شعبها، في حين أن “حزب الله” والسيد نصرالله يغردان في واد آخر، ويعيد بموقفه إلى الأذهان سؤال جنبلاط الماضي والذي يصلح حاضراً: هل نريد لبنان هانوي أو هونغ كونغ؟

شارك المقال