بوتين يضعف أوروبا بمعادلة الأرض مقابل السلام؟

حسناء بو حرفوش

يهدف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من خلال حربه ضد أوكرانيا الى إضعاف أوروبا، حيث تتحرك حربه سريعاً نحو الغرب، حسب قراءة في موقع “ذا غارديان”. ووفقاً للقراءة، “تشق الحرب طريقها سريعاً نحو أوروبا من برلين إلى برمنغهام، وتنعكس من خلال موجات من عدم الاستقرار والمشقة والخوف. وليست فكرة اقتصار الصراع على أوكرانيا سوى وهم كبير ينهل منه الناتو شعوراً بالراحة. ولكن الحقيقة هي أن مقاومة كييف دفعت ببوتين الى الانتقام من خلال معاقبة أوروبا.

وينشر الزعيم الروسي الألم الاقتصادي والسياسي ويخلق ظروف الحرب للجميع من خلال تسليح ملف الطاقة والغذاء واللاجئين والمعلومات، بينما يلوح في الأفق شتاء أوروبي طويل بارد ومليء بالاضطرابات. وبالتزامن مع السعي الى زعزعة الاستقرار في روسيا والتلاعب بوسائل التواصل الاجتماعي والهجمات الالكترونية والحديث الديبلوماسي المزدوج والابتزاز النووي، تتكثف حالة الحصار في أوروبا في الأشهر المقبلة ويتلاشى الاعتقاد الخيالي للغرب بإمكان تجنب التصعيد على مستوى القارة.

أضف إلى ذلك، وهو ما لا يتحمله بوتين بالكامل، أن أوروبا تواجه تحديات أساسية أكبر من الانهيار المالي لعام 2008، أو من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أو من جائحة كورونا. ومع ذلك، يتهرب العديد من السياسيين في الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة من الاعتراف. ومع ذلك، يشير تجميد المتقاعدين ورفوف السوبر ماركت الفارغة وتكاليف المعيشة الباهظة وانخفاض الأجور والإضرابات والاحتجاجات في الشوارع إلى الانهيارات على غرار سريلانكا. هل في ذلك مبالغة؟ كلا. إن رد الفعل، الذي أثاره اليمين المتطرف المعجب ببوتين، يستجمع قوته بالفعل في اليونان وإيطاليا وهولندا وإسبانيا.

كما يتوقع حدوث انهيار يمس تضامن الاتحاد الأوروبي حيث تتنافس الحكومات الوطنية على الموارد الشحيحة. ومن المقرر أن تنشر بروكسل “خطة الاستعداد لفصل الشتاء” هذا الأسبوع. لكن أحكامه غير واضحة وغير قابلة للتنفيذ. السياق الأوسع هو الافتقار إلى سياسة طاقة متفق عليها ومطبقة على مستوى الاتحاد الأوروبي.

وعلى الرغم من تعهدات التعاون الثنائي، فإن قطع الإمدادات الروسي الكامل قد يحرّض الدولة ضد الدولة، ويزيد من تضخم الأسعار ويقسم التحالف المناهض لموسكو. في مثل هذا السيناريو، سيطالب بوتين بتخفيف العقوبات مقابل استئناف الامدادات، تماماً كما حاصر الحبوب في البحر الأسود. وتتخذ ألمانيا التي تعتمد على الاستيراد بالفعل خطوات أحادية الجانب بحثاً عن موردي نفط وغاز بديلين. واقتربت من حالة الطوارئ الوطنية بعد أن أوقفت موسكو خط أنابيب نورد ستريم 1 يوم الاثنين الماضي. كما يخشى الكثيرون في برلين أن يصبح أي تقنين لاحق، دائماً.

(…) وقد تؤدي فوضى الشتاء الأوروبي إلى توتر في العلاقات الأميركية. وبالمقارنة، فإن تعافي أميركا بعد الوباء أكثر تقدماً واقتصادها أكثر مرونة وتكاليف الطاقة أقل بكثير. ومع ذلك، فإن قيادة الرئيس الأميركي جو بايدن الحذرة للغاية لحلف الناتو هي التي قادت أوروبا إلى هذا المأزق الجيوسياسي، حتى مع انخفاض اليورو الضعيف إلى ما دون الدولار الواحد. هذا، مع الإشارة إلى أنه بالنسبة الى الاتحاد الأوروبي، جميع الحروب محلية بينما بالنسبة الى الأميركيين، كما هو الحال دائماً، كل الحروب أجنبية.

ولن تكفي العقوبات والمساعدات الاقتصادية وغيرها من الاجراءات غير العسكرية التي فضلها بايدن لإخضاع بوتين. ويشك بعض المراقبين في أن المأزق الذي يتأتى ببطء من روسيا يناسب الأغراض الأميركية، مهما كانت الأضرار الجانبية. لكن في الوقت الحالي، تأتي العقوبات بنتائج عكسية أو تطبق بصورة سيئة، بحيث تنتفخ خزائن طاقة بوتين. وبغض النظر عن الأوكرانيين، تشعر البلدان الأوروبية والنامية الأقل ثراءً بالمعاناة بصورة غير متناسبة. ومع تنامي عدم الاستقرار، سيدفع الاختلاف بين الولايات المتحدة وأوروبا باتجاه تغيير المسار.

لا شك في أن طريق الهروب الواضح هو اتفاق الأرض مقابل السلام مع بوتين. ولهذا النوع من التبادل الرديء مؤيدون مؤثرون. ومع ذلك، ستشكل مثل هذه الصفقة كارثة للسلام والأمن في المستقبل في جميع أنحاء القارة وعلى مستوى العالم أيضاً”.

شارك المقال