بعبدا ينقض على “المركزي” وبكركي

رواند بو ضرغم

لا أحد يحرك ساكناً حكومياً. ما من طرف رئاسي قابل للتنازل. أما الهدوء السلبي فيسيطر على الأجواء بين الرئاستين الأولى والثالثة.

رئيس الجمهورية ميشال عون في موقفه الأخير اعتبر أنه لم يغلق أبواب بعبدا يوماً أمام أحد، فكيف أمام الرئيس المكلف؟ وهو ينتظر من الرئيس نجيب ميقاتي مقاربة جديدة في ضوء الملاحظات التي كان أبداها على التشكيلة المقترحة. وهذا ما يراه فريق الرئيس المكلف انتقاصاً من مقام رئاسة الحكومة، على اعتبار أن دوائر قصر بعبدا امتنعت عن تحديد موعد للزيارة عندما طلبه. وساكن القصر لا يزال على رفضه المبادرة والاتصال بالرئيس المكلف ليطلب اليه زيارته، في خطوة قد تعتبر اعتذاراً ضمنياً عن النهج المسيء الذي يتبعه الرئيس عون مع رؤساء حكومات عهده.

الرئيس ميقاتي وفق مقربين اليه ليس وحيداً، إذ أنه يلقى دعم رؤساء الحكومات السابقين الذين يتواصل معهم بصورة دائمة. وهو يصرّ على تصوره الحكومي، ويرفض دعوة عون له المشروطة بمقاربة حكومية جديدة، وهذا ما يُعد بمثابة وضع اليد على صلاحيات الرئيس المكلف. ميقاتي منفتح على إمكان أن يعدل عون اسمين أو ثلاثة على تشكيلته، انما ليس من حقه نسفها وفرض شكل الحكومة على مقياس صهره النائب جبران باسيل، الذي انتقد ميقاتي بسبب سفره أسبوعاً لقضاء اجازة العيد، وهو اليوم يصول ويجول متنقلاً بين العواصم للاستجمام والسياحة.

أسف رئيس الجمهورية للإيحاء بأن الرئاسة تسيء الى مقام رئاسة مجلس الوزراء، ولكن الرئاسة باتت ذاكرتها في رأس سمكة، تنسى إساءاتها عند كل مطلع فجر، بحيث تناسى رئيس العهد وظله كيف أرسل تصوره الحكومي للرئيس المكلف سعد الحريري الى “بيت الوسط” مع دراج، وسلم البطريرك بشارة الراعي نموذجين حكوميين ليختار الرئيس الحريري منهما، كما نعت رئيساً مكلفاً بالكاذب أمام عدسات الكاميرات، وأعاد الكرّة رئيس ظله جبران باسيل بالقول في المباشر للرئيس ميقاتي بأن أيامه كلها بمثابة الأول من نيسان… هذه كلها إساءات يتغاضى عنها الرئيس عون لا بل يعيش حياة الانفصال عن الواقع.

يسجل ميقاتي نقطة لنفسه، وهي أنه يرفض التنازل لباسيل في آخر عهد عمه، فيرفض لقاءه للتشاور معه على اعتبار أن شريكه في التأليف هو رئيس الجمهورية وليس رئيس “التيار الوطني الحر”، كما يرفض تمرير التعيينات له لضمان حصته المسيحية قبل اخلاء القصر الجمهوري من قاطنيه. الا أن ميقاتي نفسه نسي أيضاً أنه أرسل وزراءه في حكومة تصريف الأعمال الحالية، عندما كان في صدد تأليفها، الى اللقلوق للقاء باسيل وللحصول على موافقته… لو كان يومذاك حريصاً بالفعل على مقام رئاسة الحكومة لرفض أن يمثل وزراؤه أمام صهر العهد، في حين أن الرئيس المكلف سعد الحريري يومذاك، رفض ضغط الفرنسيين عليه للقاء باسيل، وفضّل الاعتذار عن عدم التأليف يومها بدل الانصياع لشروط وزير في حكومته… حينها كانت العضلات السياسية حقيقية لأنها في منتصف العهد، وليست اصطناعية كما هي حالها في أيام العهد الأخيرة!.

وبالعودة الى لقاء الرئيسين عون وميقاتي المعلّق على حبل اتصال مقطوع، تقول مصادر مقربة من رئيس الجمهورية لموقع “لبنان الكبير”: “كنا ننتظر زيارته على ما وعد بعد انتهاء سفره! نعلم أن هناك شيئاً مفتعلاً، أو شيئاً مقصوداً أو مصطنعاً، ليبقى التباعد موجوداً، وبالتالي الابقاء على الحكومة الحالية، ولا تفسير آخر لما يفعله الرئيس المكلف”.

أما فريق الرئيس ميقاتي فينفي أنه وعد بزيارة بعبدا بعد عودته الى بيروت، وهو لا يزال حتى اللحظة ينتظر اتصالاً من القصر ليلتقي رئيس الجمهورية ويستكمل مشاوراته معه ضمن الأصول الدستورية.

وبين بعبدا والبلاتينوم ضاعت الحكومة وانغمست البلاد أكثر في الكيدية وفي هدم المؤسسات، من غزوة القاضية غادة عون لمصرف لبنان الى الادعاء على رئيس دائرة المناقصات، الى الانهيار الاقتصادي والتفلت الاجتماعي، والجرائم المتراكمة. فالعهد بدأ مسيرته الرئاسية على أكف حقوق المسيحيين، فلم يسلم أي موظف مسيحي من الفئة الأولى من لكمات صاحب العهد وصهره، من قائد الجيش مروراً بحاكم مصرف لبنان، وذلك بأساليب ميليشيوية وبأدوات العهد القضائية، لم تعتد عليها الجمهورية اللبنانية على الاطلاق، وصولاً الى الرسالة السياسية التي وصلت الى سيد بكركي بتوقيف راعي أبرشية حيفا والأراضي المقدسة والنائب البطريركي المطران موسى الحاج، عند معبر الناقورة، وبغض النظر عن التفاصيل الا أن النفس العوني واضح عند البطريرك الراعي الذي اعتبرها ردّاً على عظاته وموقفه بخصوص رئاسة الجمهورية ومواصفات الرئيس وتجاوزه مبدأ الرئيس القوي. فما في الأفق الا الفوضى، التي ستكون عنوان المرحلة المتبقية من عهد عون الجهنمي.

شارك المقال