ما أهون الحرب بالنظارات

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

هيا بنا الى الحرب… هكذا فهم معظم اللبنانيين رسالة السيد حسن نصر الله في ذكرى حرب “لو كنت أعلم”. ولكن هل يعلم نصر الله اليوم ما يحصل للبنانيين في عيشهم ومسؤولية حربه عن ذلك، وولعه منذ ذلك الوقت بالسلطة وتناتشها مع حلفائه للامساك بقرار السلم والحرب، حتى لو تطلب الأمر تجويع اللبنانيين؟، هل سيقنعهم السيد لاحقاً بأن الحرب على إسرائيل ستشبع بطونهم وتدفئ بيوتهم وتعبئ سياراتهم بالوقود وتعيد لهم الكهرباء 24 على 24 وتبني المستشفيات وتعبّد الأوتوسترادات وتؤمن الدواء، وسيعيشون في جنة الحرب لا جحيم السلام؟

بعد كلام نصر الله، كرّت سبحة تصريحات مسؤولي “حزب الله” من الشيخ نعيم قاسم الى نواب كتلته في تقديم جرعات “الاستعلاء” وعدم رؤية الآخر، فحسب التعبيرات “نحن أسياد البلد”، والتشكيك بقدرات الجيش اللبناني على مواجهة إسرائيل والدفاع عن لبنان لتبرير بقاء سلاح الحزب ألعوبة إيران في المنطقة، إلى القول “على الناس ألا ترتعب من الحرب بوجود المقاومة”! وكأن الحرب نزهة، ولا يكفي اللبنانيين جحيم العهد القوي الذي يقوده “حزب الله”، بل لا بد من حرقهم بحجة ما عنوانها هذه المرة ترسيم الحدود، لكن باطنها معروف للجميع فهي رسالة إيرانية بعد فشل المفاوضات النووية أثناء زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن الى المنطقة وتأكيده من إسرائيل عدم السماح لايران بإمتلاك قنبلة نووية، وبذلك يكون السيد أدى مهمته التي يقوم بها بالتهديد والوعيد، ليتبين لاحقاً أنه “كلام بكلام ويا دار ما دخلك شر”، خصوصاً أننا وعدنا بكثير من الانتصارات بإسم المقاومة مع كل سلاح جديد تزوّد به ايران هذا الحزب، بدل أن تظهر نية طيبة بدعم الدولة وجيشها لا دعم ميليشيا حرسها الثوري.

لا يختلف إثنان على أن دور “حزب الله” العسكري في لبنان والتعامل معه لا يقاس على مستوى ميليشيا صغيرة، بل أن قدراته العسكرية قد توازي قدرات الجيش اللبناني، والمؤسسات التي أنشأها بدعم إيراني ثبتت دويلته التي إمتدت لتقضم مؤسسات الدولة وتمسك بقراراتها، لكن غاب عن الحزب أن الجيش اللبناني بتركيبته هو المنافس له ومن يستطيع كبح جماحه اذا توافرت له القيادة والقدرة والقرار السياسي.

فقوة “حزب الله” هي في التجييش الطائفي والمذهبي الأعمى، وقيام إيران بدعمها له ولميليشيات الحرس الثوري في دول المنطقة، في بناء أجهزة ودويلات خاضعة لقراراتها وأجندتها الخارجية من أجل إستخدامها على طاولات المفاوضات والتهديد بها، حتى تتوصل إلى تحقيق مصالحها الخاصة، وهي تقاتل بهذه الجيوش المصطنعة مستخدمة أبناء البلد، وبذلك توفر على نفسها القتال بالإيرانيين وبالتالي دفع أثمان باهظة لا سيما وأن الشعب الايراني متأهب للتمرد على سياسات الولي الفقيه، ويدرك أن من أسباب أزمته المعيشية والاقتصادية دعم النظام لميليشيات خارج الحدود.

لقد إستطاعت ايران فرض هيمنتها بإستخدام الدين والتجييش المذهبي، ولكن الأهم هو شراء الميليشيات والجمهور المؤيد بالمال، مباشرة وغير مباشرة، وهذا ما يلمس في المناطق التي يسيطر عليها الحزب، حيث تقدم أموال شهرية ومساعدات، فضلاً عن المستفيدين من سطوته الذين استطاعوا تكوين شركات شرعية أو غير شرعية عابرة للقارات، كل هذا أصاب المنتمي الى الحزب بعنجهية القوة، التي تظهر في استعراضات الحشود الولائية في كل المناطق التي دخلت اليها ايران وعبثت بها.

من هنا يشعر الحزب أنه قوة قادرة تستعين إيران به ساعة تريد، لتقود معاركها ضد اسرائيل وفرض التراجع عليها في ميدان منافستها وفرض السطوة على المنطقة العربية، وقد ظهر خلافهما الى العلن في حرب 2006 أول معركة قادتها إيران بواسطة الحزب، وخرج نصر الله بعدها ليقول “لو كنت أعلم”.

في ذلك الحين كانت إيران تحاول مغازلة الولايات المتحدة من خلال الضغط على اسرائيل، وجاءت النتيجة واضحة في العام 2014 عندما تم الاتفاق النووي، فتدمير لبنان كان حماية لطهران وليس الهدف استعادة فلسطين والقضاء على الصهيونية، اذ أن هذا الشعار بَطُل فعلياً، لأن إيران تبتز الجميع تحت شعار تحرير فلسطين.

واليوم تفقد إيران الكثير من الأوراق وتريد أن تفرض توجهها الجديد وتسجيل نقاط لصالحها والحصول على مكتسبات والتوصل الى إتفاق على النووي، معتبرة أن بايدن “بطة عرجاء”، ويمكن أن تفرض عليه تنازلات في المباحثات لصالحها في المفاوضات.

وهنا كان لا بد لها من محاولة إستخدام ورقة مفاوضات جديدة بعد وساطة الأميركي آموس هوكشتاين لترسيم الحدود اللبنانية – الإسراىيلية البحرية، فكانت “عنتريات” الحزب الذي أطلق مسيراته فوق “كاريش”، لتتحول ثروة لبنان النفطية الى ورقة تفاوض بيد إيران ولتتداخل لعبة المصالح الداخلية والخارجية على حد سواء.

ووجهت إيران رسالتها عبر “حزب الله” بواسطة المسيرات، من خلال التهديد بضرب الغاز ومنع عمليات نقله، أي أن الحرب على أوروبا وأميركا ستحصل من البوابة الاسرائيلية بواسطة الحزب، وبالطبع ليس من مصلحة لبنان خلط الحابل بالنابل في ملف الترسيم وتعطيل جهود أصدقاء لبنان الذين يعملون على دعمه عبر القنوات الديبلوماسية.

لا يمكن لأحد إنكار أن شعبية “حزب الله” تتدنى، حتى داخل بيئته الحاضنة، حيث يظهر الكثيرون الاستياء من تصرفاته ومن تهديدات الضرب والحرب، ويسألون “لماذا لا تضرب العدو إذا كان لديك حق؟”، وهم يدركون أن الحزب ينفذ أجندة إيرانية خارج الحسابات الوطنية، وأنه يستعرض وهو يسعى الى تعطيل مفاوضات الترسيم، فهل بأسلوب الضغط هذا سيحافظ على ثروة لبنان؟

ومن المؤشرات السلبية لمحاولات “حزب الله” بالحديد والنار، فرض التفاوض حول رئيس الجمهورية، بحيث يكون لإيران اليد الطولى في اختياره، وما طرح اسم اميل رحمة الا مؤشر واضح. ويبدو أن ايران تحاول اعادة الكرة كما حصل في انتخاب ميشال عون وتركيبة ما سمي “العهد القوي” والذي جاء نتيجة مباشرة لقطف ثمار الاتفاق النووي، فالتسوية التي أتت بعون لم تكن داخلية بقدر ما كانت خارجية.

وقد تتكرر التجربة اليوم لو كانت ايران وقعت اتفاقاً مع بايدن، لكن رياحها هذه المرة قد لا تسير بما تشتهي السفن.

شارك المقال