اقلب الطاولة يا “أخ أبو مازن”

زاهر أبو حمدة

لا يُعرف كيف دخل مصطلح “السيد الرئيس” إلى قاموس التقديم والخطابة في الدول العربية ذات النظام الجمهوري. لكن على الأغلب هي ترجمة حرفية لـ”Mr. President”، التي يستخدمها الأميركيون لتوصيف الرئيس الأميركي. أما في زمن الثورة والتنظيم الحزبي فكانت المناداة تقتصر على “الأخ” أو “الرفيق” عند الأحزاب اليسارية، وفيها مساواة من رأس الهرم حتى القاعدة. وإذا سلمنا جدلاً أن كلمة “السيد” لا تفيد بأن هناك سيداً وعبداً، فهي تؤكد السيادة الوطنية المتمثلة بالرئيس. وبالنسبة الى الأخ محمود عباس، فالسيادة على أرض الواقع غير متوافرة، وبالتالي العودة إلى الأصول أوفى وأوضح.

إلى الأخ أبو مازن،

حان الوقت لتنفيذ ما تعهدت به في أكثر من مناسبة. فالجميع يدرك أن مشروع التسوية بناءً على المفاوضات، فشل ولم يعد يجدي نفعاً. وتعترف بأن الحكومات الإسرائيلية السابقة واللاحقة لا تريد تقديم أي تنازل لبناء الثقة أولاً، ولبدء أي مباحثات ممكن أن تضع القطار على السكة ثانياً. أصبحت الأمور “ستاتيكو” سياسي مع ابتلاع الأرض وزيادة الاستيطان ومحاولات السيطرة على العاصمة المقدسة وتحويل الفلسطيني إلى مواطن درجة أخيرة.

تعرف أكثر منا، أن الشعب مستعد للتضحية لكنه يحتاج الى برنامج نضالي فيه خطة للمواجهة ولانتزاع الحقوق لأن الثورة حين انطلقت في العام 1965، لم يكن هدفها تصريحات لكبار المسؤولين وللـَم الشمل، أو فتح معبر أو توفير تقنية 4G. لم يقدم الشعب ملايين الشهداء والأسرى والجرحى من أجل تصاريح سياحية في أم الرشراس وحيفا وتل أبيب. لا، لم تدمر البيوت ويصبر الناس من أجل تصاريح عمل محدودة لبناء المستوطنات والعمل في الحقول المحتلة. بكل تأكيد لا يريد اللاجئون البقاء في المخيمات مقابل بناء مستشفى أو منحة تدخل وزارة المالية فتتحول الى رواتب موظفين.

يا أخ أبو مازن،

تدرك أكثر منا، أن الوضع الإقليمي والدولي ليس لصالحنا. نعم راهنت على المتغيرات السياسية في الإقليم والعالم، لكن المراهنة خاسرة على ما يبدو، فمنذ 30 عاماً لم يتغير شيء، وما زالت الولايات المتحدة رئيساً لمجلس إدارة الكوكب، وما زلنا نثق بها. ما زلت تثق بالرئيس الأميركي وهو يؤكد أنه صهيوني ولو لم يكن يهودياً. حان الوقت لاستخدام أوراق القوة. حان الوقت لقلب الطاولة على الجميع، على الاحتلال وأعوانه وصحبه وأصدقائه وعلى كل العالم الجائر. حان وقت قلب الطاولة والقول: لن نكون جزءاً من لعبتكم. نحن اللاعبون ومن سيقرر مصير أكثر من 14 مليون فلسطيني.

يا أخ أبو مازن،

حان وقت تنفيذ قرارات المجلس المركزي الفلسطيني الصادرة في حضوركم في شباط الماضي. ولتكن تدريجية أو دفعة واحدة، لا يهم، الأهم أن تمتلك زمام المبادرة وحينها سيعود إليك جو بايدن ومساعدوه ليجلسوا معك ساعات في رام الله وليس ساعتين في بيت لحم. ولتبدأ بالقرار الأول وهو إنهاء التزامات منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية بالاتفاقيات كافة مع سلطة الاحتلال، وفي مقدمها تعليق الاعتراف بدولة إسرائيل، إلى حين اعترافها بدولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران عام 1967 بعاصمتها القدس الشرقية ووقف الاستيطان. ومن ثم تعلن وقف التنسيق الأمني بأشكاله المختلفة والذهاب الى كل المنظمات والمحاكم الدولية لتقديم إسرائيل الإرهابية الى الشرعية الأممية. وحين يأتيك الأميركيون مجدداً تعلن رفضك السلام الاقتصادي مع إسرائيل، ومشروع تقليص الصراع وإجراءات بناء الثقة التي تطرح كبديل عن السلام الشامل والعادل. وحينها سيفي بايدن بالتزاماته المتعلقة بحل الدولتين ووقف التوسع الاستيطاني والتهجير القسري، وسيعيد فتح مكتب منظمة التحرير في واشنطن والقنصلية الأميركية في شرق القدس.

يا أخ أبو مازن،

نعرف أن هكذا خطوات مصيرية ستكون تكلفتها عالية سياسياً وميدانياً، لكن شعبك معك وقادر على قلب المعادلات. وبما أنك قلت أكثر من مرة: “لن تنهي حياتك بخيانة”، ربما يمكن انهاؤها بقرار يعيد الصراع إلى المربع الأول. وأنت صاحب القرارات المصيرية في تاريخنا، فصوتك في اللجنة المركزية لحركة “فتح” من رجح كفة الكفاح المسلح، ونظريتك في المفاوضات من جعلتنا نسير نحو اتفاق أوسلو. ولكن الآن لا نملك رفاهية الاختيارات لأن الاحتلال أغلق كل المسارات. ونحن قادرون على نسف كل المسارات أيضاً.

شارك المقال