أوروبا: بين مساعدة أوكرانيا والتدخل في شؤونها

حسناء بو حرفوش

بغض النظر عن حسن النوايا، قد يضر استخدام النخب الدولية للقضية الأوكرانية لتعزيز أجنداتها، بقضية البلاد كما يمكن أن يعرقل جهود إعادة الاعمار، التي باتت واحدة من أكثر مواضيع المحادثات شيوعاً بين الدوائر العصرية في واشنطن ولندن وباريس وبرلين: كيفية تصميم أوكرانيا “المثالية” التي ستخرج من الدمار الناجم عن الغزو الروسي للبلاد.

ووفقاً لقراءة لمحرر موقع Emerging Europe الأوروبي، “يريد لوبي السلاح الأميركي أن تتبنى كييف قوانين أسلحة أكثر ليبرالية، بحجة أن احتفاظ كل أوكراني ببندقية في منزله، قد يمنع روسيا من غزو البلاد. وبرأي الليبراليين، سترسل مثل هذه الخطوة التقدمية إشارة مدمرة إلى موسكو مفادها أن أوكرانيا قد تغيرت إلى الأبد.

كما تريد مجموعات حماية البيئة إنهاء الصناعات الثقيلة في أوكرانيا، التي طالما شكلت العمود الفقري لاقتصاد البلاد، لا سيما في الشرق. وينظر آخرون إلى البلاد على أنها ملعب ليبرالي جديد، سيتميز بحاجة أكثر إلحاحاً إلى مرونة سوق العمل بعد الحرب بغض النظر عن أي اعتبار لحقوق العمال. ومن أجل تحديد أولويات جهود إعادة الاعمار في البلاد في أوج الحاجة إليها، هناك حقيقة واقعة تتجسد في الضرر في إبراز القيم والرغبات والسياسات في بلد لا يزال غارقاً في معركة من أجل البقاء.

نهج عدم التدخل

ولا شك في أن بعض الأشياء حول أوكرانيا ما بعد الحرب مؤكدة تقريباً، ومنها أنها قد تصبح عاجلاً أم آجلاً عضواً في الاتحاد الأوروبي وستشهد تسارعاً في نمو قطاع التكنولوجيا الذي كان مزدهراً قبل الغزو الروسي كما قد تصبح أيضاً عضواً في الناتو. وسيلعب المجتمع الدولي دوراً في أوكرانيا ما بعد الحرب، بحيث اعترف رئيس الدولة فولوديمير زيلينسكي، الذي تحدث عبر الفيديو في مؤتمر إعادة إعمار أوكرانيا في وقت سابق من هذا الشهر، بأن مهمة إعادة بناء البلاد ستكون “هائلة” وستشكل وظيفة “مشتركة للعالم الديموقراطي بأسره”.

ومع ذلك، يجدر بهذا الدور أن يمارس بعيداً عن أي تدخل قدر الإمكان. نعم، سيود المانحون تأكيدات على أن الأموال تُنفق بصورة جيدة وسيبقى الإصلاح والشفافية أمرين حيويين لضمان عدم إضرار الفساد بنزاهة أي برنامج لإعادة الإعمار، بيد أن جميع القرارات الرئيسة يجب أن تأتي من الأوكرانيين أنفسهم. وتوحي الكثير من التعليقات والتحليلات للحرب حتى الآن بفكرة أن الأوكرانيين لا يمتلكون وكالة على شؤونهم الخاصة، وأن البلاد كانت قبل الحرب في حالة من الفوضى من صنعها وأنه لا يمكن العودة الى الطريقة التي كانت عليها الأمور قبل الغزو.

الثقة بأوكرانيا

أما عن الأوكرانيين أنفسهم، فلا ينتهجون جميعاً وجهة النظر نفسها ولا يريدون أكثر من فرصة لاستعادة حياتهم مجدداً، وفي معظم الحالات، هذا يعني حياتهم تماماً كما كانت عليه قبل الحرب (من دون تهديد بغزو روسي آخر). ويبدو أن الكثيرين منهم مستعدون للموت من أجل تحقيق ذلك.

ويتطلب هذا الواقع من أوروبا ومن الجهات المانحة دعم الأوكرانيين في جهودهم، من خلال توفير الأسلحة والمال والمعرفة وأي شيء آخر مطلوب لضمان الفوز في الحرب. فهذا في النهاية واجب والتزام أخلاقي يجب التمسك به. ولكن بمجرد تحقيق هذا الهدف، يجب أن يقتصر دور المساعدين على توفير التمويل الذي تحتاجه أوكرانيا لإعادة البناء (من دون أي قيود) ووضع كامل الثقة في حكومتها وشعبها لاتخاذ القرارات الصحيحة. وقد بات واضحاً من خلال مؤتمر إعادة إعمار أوكرانيا أن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والبنك الدولي وغيرهم من المانحين المحتملين يمتلكون أفكارهم الخاصة حول كيفية تنفيذ إعادة الإعمار بالضبط، مع التشديد على أن الأفكار الوحيدة التي يجب تركيز الاهتمام عليها والتي تهم فعلاً هي الأفكار الأوكرانية”.

شارك المقال