جنبلاط يستعيد والده: إني أفتش عن رجل

صلاح تقي الدين

لطالما لعبت دار المختارة منذ ما قبل استقلال العام 1943 دوراً محورياً في تحديد هوية رئيس الجمهورية اللبنانية منذ الرئيس اميل اده المدعوم من الست نظيرة جنبلاط وصولاً إلى الرئيس كميل شمعون عقب الثورة البيضاء والرئيس سليمان فرنجية الذي كان الزعيم كمال جنبلاط السبب الرئيس في وصولهما إلى سدة الرئاسة.

وقد اشتهر الزعيم الراحل بأنه كان “يجري امتحانات” للمرشحين للرئاسة لكي يقرر اسم الشخص الذي سيمنحه صوته نتيجة القناعات التي يكونها عنه استناداً إلى البرنامج الذي يحمله ويريد تطبيقه فيما لو صار رئيساً، والشواهد على ذلك كثيرة، غير أنه في العام 1972، وبعدما كان قد تمرّس في عالم السياسة وخبر معظم السياسيين كتب على الصفحة الأولى من جريدة “الأنباء” مقالاً بعنوان “أفتّش عن رجل” لأنه كان قد وصل إلى ما يشبه القناعة بأن معظم السياسيين لم يكونوا على قدر المسؤولية التي أولاهم إياها الشعب، واهتموا بمصالحهم الخاصة قبل أن يهتموا بمن أوصلوهم إلى الكراسي.

وقال جنبلاط المعلّم: “كم من رجل سياسي خدمناه وساعدناه لاعتقادنا بأن بعض مبادئنا ومشاريعنا الإصلاحية ومناهجنا الديموقراطية تتحقق على يده، فإذا به بين ليلة وضحاها لأسباب ندركها ولا ندركها يتحول عن المسيرة ويتناسى كل شيء ويجنح (…) ولكن نتساءل – والصفاء يسيطر على نفوسنا في انجلاء خداع الدنيا – ما هذا البلد الذي لا يستطيع فيه الإنسان أن يثق تقريباً بأي رجل سياسي… كأنهم كلهم وصوليون؟”.

أضاف: “لو قدّر لنا أن ننزل الى شوارع لبنان كما فعل الحكيم ديو جينوس عليه السلام، في أثينا، لنتحرى عن رجل صادق بين هؤلاء السياسيين المعروفين، لما وجدنا الرجل الذي نفتش عنه. إني أفتّش عن رجل”.

وبعد دستور الطائف، لم يكن صوت وليد جنبلاط حاسماً في اختيار رئيس الجمهورية فحسب، بل لعب دوراً رئيساً في التركيبة السياسية إلى حد وصفه بالرئيس الرابع نظراً الى النفوذ الذي كان يتمتع به وحيث لم يكن يصار إلى اتخاذ أي موقف أو قرار من دون المرور به أو الوقوف على خاطره.

وطبيعي إذاً أن يحدّد رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” في مقابلته أول من أمس في برنامج “حوار المرحلة” على قناة “المؤسسة اللبنانية للارسال” مواصفات من يعتقد أنه جدير بالوصول إلى بعبدا ويحظى بشرف الحصول على أصوات نواب “اللقاء الديموقراطي”، وكأني به يستعيد مقال والده الراحل بحيث كان صريحاً في تحديد هوية هذا “الرئيس المحتمل” استناداً إلى برنامجه.

وقال جنبلاط: “أولاً، سأسمح لنفسي بأن أتكلّم عن نفسي وعن اللقاء الديموقراطي. من هو هذا المرشح الذي سنختاره، وما هي مواصفاته، أنا بس بدي إختار مرشح لأنّه مرشح؟ هذا يذكّرني بأغنية للراحل فيلِمون وهبي هذا المرشح عم يجي يقول ريدوني، منقلوا ما منريدك. شب منيح الله يزيدك. فليتفضّل هذا المرشح ويقدم برنامجه كما كان يفعل كمال جنبلاط مع المرشّحين للرئاسة. أعطوني برنامجكم السياسي – الاجتماعي – الإقتصادي – الضريبي. فليتفضلوا، أمّا مرشح يدور على السفارات الغربية أو الإيرانية، أو غيرها عندها يمكن أن لا أختار مرشحاً، أو لا أصوّت لأحد”.

وأوضح جنبلاط موقفه من كلامه قبل الانتخابات حين قال: “لا لجبران باسيل، ولا لسليمان فرنجية”، بأنّه يعتقد أنّ “الموقف نفسه سيتّخذه اللقاء الديموقراطي، ويجب أن تسألوا تيمور”.

أضاف: “أنا أقدّر بيت فرنجية وأحبهم، وأعرف الجد وكانت لي مواقف سياسية، وكانت لدينا جبهة مع سليمان بك الجد، جبهة الخلاص، آنذاك، ضد إسرائيل والاحتلال الإسرائيلي في لبنان وغيره. لكن أعتقد أنّ المعادلة اليوم مختلفة. فلدي قناعاتي، وتيمور لديه قناعاته. على كل حال إسألوا تيمور واللقاء الديموقراطي، كما أنه ليس سليمان فرنجية فقط، الغير هل لدى أحد برنامج؟ فاذا قدّم سليمان برنامجاً بالإصلاح السياسي وبالحد الأدنى بالسيادة وبالسلاح، مثل غيره، لكن طبعاً إذا كان غيره يريد المجيء بالـ1559، أقول له مع السلامة”.

وتابع: “اليوم بما أنّ هناك هذه الأزمة الاقتصادية، وصندوق النقد فالإصلاح السياسي ضروري، وأيضاً برنامجنا كحزب في الإصلاح وفي الضريبة والأملاك البحرية وغيرها كما والضريبة على الثروة والضريبة التصاعدية الموحدة”.

وشدّد جنبلاط على أنّه يريد “مرشحاً يكون لديه برنامج اجتماعي – اقتصادي ينطبق على مطالبي كحزب تقدمي اشتراكي واللقاء الديموقراطي. الضريبة التصاعدية، الأملاك البحرية، الضريبة على الثروة والإصلاحات الباقية، ولماذا لم يتم إقفال عدد كبير من السفارات في الخارج؟ لماذا ندفع نقداً نادراً لهؤلاء؟ لماذا ندفع عن مبنى الإسكوا والمباني الحكومية الوهمية أحياناً للتنفيعات؟”.

وعن قائد الجيش العماد جوزيف عون، لفت جنبلاط إلى أنّ “قائد الجيش يقوم بعمل ممتاز في الجيش”، رافضاً “المزايدات من الخارج في ما يتعلق بتوريط قائد الجيش”.

وأشار الى أن “المواطن في الجبل أو بيروت أو الجنوب لديه هموم غير هموم السفارات. همّ الكهرباء والتدفئة والطبابة، ويجب على الرئيس الجديد أن يحمل هذه الهموم. أمّا أن يأتي من فوق، من السفارات، فالأفضل من دونه”.

وعن تمكن المرشّح من تنفيذ برنامجه في ظل المعادلات المعقّدة، قال جنبلاط: “على الأقل فليتجرأ. أما لأن سفارة ما رشحته، أو جهة ما، أنتخبه؟ لماذا أعطيه صوتي؟ لا أريد أن أعطيه صوتي”.

ما أشبه اليوم بالبارحة، وجنبلاط يستعيد موقف والده القائم على اختيار رئيس له برنامج سياسي واجتماعي واقتصادي واضح. “إني أفتّش عن رجل” هذا هو موقف جنبلاط من الرئاسة باختصار وهو بالتأكيد لن يصوّت لصالح مرشح ينتمي إلى محور “المقاومة”، ولن يكون منحازاً إلى مرشّح “سيادي” لا يفصح عن برنامجه الذي يماشي تطلعات الاصلاح والانقاذ التي ينادي بها جنبلاط.

شارك المقال