تنهار المؤسسات العامة في لبنان الواحدة تلو الأخرى، متأثرة باحدى أسوأ الأزمات التي شهدها العالم خلال السنوات الـ 150 الماضية حسب ما يقول البنك الدولي، وسط تخوف من انعكاساتها وتداعياتها على المؤسسات العسكرية والأمنية التي باتت بدورها مهددة بالانهيار على الرغم من المساعدات التي تتلقاها من أكثر من دولة خصوصاً مؤسسة الجيش التي تزودها الولايات المتحدة الاميركية بالمعدات والذخائر وتدرّب الضباط في محاولة لابقاء الوضع الأمني ممسوكاً. ولعل المؤتمرٍ الدولي الافتراضي لدعم الجيش والمؤسسات الأمنية، الذي عقد العام الماضي، بدعوة من فرنسا ومشاركة مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان، التي تضم أبرز دول الاتحاد الأوروبي وأميركا والصين وروسيا وعدداً من الدول العربية، خير دليل على عمق الأزمة الأمنية.
ويرى خبراء أن المؤسسات العسكرية والأمنية التي تحظى بتأييد معظم اللبنانيين الذين فرّقتهم الانقسامات السياسية، تشكل اليوم احدى أهم دعائم بقاء الدولة وأي تهديد بالانهيار، يجعل البلد في مهب الأحداث الأمنية والجرائم وسطوة السلاح غير الشرعي مع العلم أن هناك معلومات تتحدث عن تسرب وظيفي منذ بدء الأزمة إلا أنه لا يزال ضمن المقبول، ولا يشكل أي خطر على تفكك المؤسسات التي يعاني ضباطها وعناصرها من أوضاع مادية ومعنوية مأساوية. من هنا، يتخوف كثيرون من انفجار اجتماعي على خلفية الأوضاع المعيشية بحيث تنزلق الأمور وتتطور الى أحداث أمنية لا تحمد عقباها، وتكون المؤسسات الأمنية غير جاهزة لضبط الوضع.
وأكد مصدر أمني لـ “لبنان الكبير” أن “لا هاجس لدينا من انهيار المؤسسات العسكرية لأننا كعسكريين من قيادة الى ضباط الى العناصر مقتنعون بأن الخلل والتفكك في هذه المؤسسات سينعكسان انهياراً تاماً في البلد، وانفلاتاً أمنياً. وعلى الرغم من الصعوبات الكبيرة التي تتفاقم يومياً منذ سنة 2019، فإن العسكريين يعتبرون أنهم يؤدون خدمة ولا يقومون بعمل عادي، كما أن وقوف القيادة الى جانبهم وتسهيل بعض أمورهم الحياتية لناحية الخدمة والسماح لهم بعمل مرادف، كلها محفزات تبقي العسكري واقفاً على رجليه على الرغم من التحديات.”
وشدد المصدر الأمني على “أننا سنواصل خدمتنا حتى الرمق الأخير لا سيما وأننا نعلم أن أي خطوة ناقصة أو أي تفكك أو شلل في المؤسسات العسكرية والأمنية ستنعكس سلباً على القطاعات كافة حتى أن الموظف لن يتمكن من الوصول الى عمله ما يعني أن التفلت سيكون مستشرياً. من هنا، التحديات كبيرة والصعوبات كبيرة لكن المسؤولية أكبر، ونحن جاهزون للتدخل في حال حصول أي تطور على الأرض”، لافتاً الى “مسعى لتحسين ظروف العسكر لكن لا شيء حتى الساعة، والتسرب من المؤسسة لا يزال مقبولاً مقارنة بالأوضاع المعيشية والحياتية”.
واعتبر الوزير السابق مروان شربل أن “الناس ستشعر بالارهاب الحقيقي عندما يتوقف عمل الأجهزة الأمنية”، مشدداً على “ضرورة أن يترافق تصحيح أجور الادارة العامة مع تصحيح مماثل للقوى المسلحة لأن المؤسسات العسكرية والأمنية هي العمود الأساس الذي يبقي الدولة واقفة على رجليها. وفي حال انهارت هذه المؤسسات انهارت الدولة، وانهار البلد”.
وأشار الى أن “العسكري ربما يصل الى وقت لا يستطيع تحمل أوضاعه الصعبة، لكن نحن بانتظار أمرين يمكن وضعهما في خانة الايجابية: ترسيم الحدود البحرية وانتخاب رئيس جديد للجمهورية. في حال حصل ذلك، يتحسن وضع البلد ووضع المدنيين والعسكريين، لكن اذا لم يتحقق هذان الأمران فعلى الدنيا السلام، وحينها لن يذهب العسكري الى خدمته”.
وسأل: “هل هناك من مؤامرة خارجية على البلد بتنفيذ من المسؤولين لتجويع الناس واستسلامها وصولاً الى فرض التطبيع مع اسرائيل؟.”
أما العميد جورج نادر، فرأى أن “الخطر يبقى قائماً على انهيار المؤسسات العسكرية والأمنية في ظل المعاناة والجوع، ولكن لا تزال هناك ارادة وطنية وحس بالمسؤولية لدى العسكريين الذين يعانون من الأوضاع المادية الصعبة جداً حتى أن عدداً كبيراً منهم تخلى عن اشتراك المولد الكهربائي، وأطفأ البراد في منزله. هذا العسكري عندما يتوجه الى خدمته سيكون تفكيره بعائلته ومنزله وكيفية تأمين الخبز لأولاده”، مشيراً الى أن “القيادات العسكرية تعمل بكل جهد للتخفيف من معاناة العسكريين لكن لا أموال موجودة لزيادة المعاشات التي تخوّلهم العيش بكرامة وراحة نفسية وكي لا يتراجع أداؤهم”.
وتخوف من “انفجار اجتماعي في وقت لا تكون فيه القوى الأمنية جاهزة لضبط الأمور. وهذا الانفجار سيكون متزامناً في كل المناطق حيث لا تستطيع القوات المسلحة ضبط الأمور على مساحة الوطن، كما أن العسكري سيكون في مواجهة أهله الذين يعانون معاناته نفسها، وفي الوقت ذاته يريد القيام بعمله بحرفية تامة”.
ولفت نادر الى أن “المؤشرات والوقائع اليومية، تؤكد أن هناك إرادة من قبل جهات لتفتيت المؤسسات وصولاً الى المؤسسات العسكرية والأمنية، لتحل محلها في ضبط الأمن وبسط سلطتها، وذلك وصولاً الى مؤتمر تأسيسي يأتي لصالح الجهة المسلحة”.