عن خبزنا المفقود… وسلطة التهريب ومافياتها

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

في ظل التجاذبات السياسية في الساحة اللبنانية، وعدم قيام القوى التي تتقاسم السلطة بحلحلة الأمور المعيشية للمواطنين، والاصرار على لعبة المحاصصة التي تنحو بالبلاد نحو إنهيار شامل وتحلل الدولة، لا وجود لمسؤول يتحمل مسؤوليته ويقوم بالمهام المكلف بها وفقاً للقانون والدستور، فالكل يبيع ويشتري ولا أحد يحرك ساكناً لحل مشكلات الناس حتى في تأمين رغيف الخبز وحل أزمته المفتعلة، وتوجيه اللوم الى اللاجئين السوريين وكأنهم هم المسؤولون عن علاج المشكلة أو المتسببون بها، وذلك للتهرب من مسؤوليتهم سواء كانوا في وزارات معنية أم تجاراً أم في ميليشيات الأمر الواقع المزورعة في كل القطاعات والمؤسسات مستمدة قوة هيمنتها من سياسات التطنيش التي يقوم بها ما تبقى من دولة ومن مسؤولين يرمون بثقل الأزمة عن أكتافهم ليتهموا اللاجئين السوريين بافتعالها، ويرتكبون بالتالي جريمة بحق الشعب اللبناني الذي يعيش في وطن لا يشبه الأوطان بشيء.

كان على هذه الحكومة أن تدير السلطة وتتفادى الوقوع في أزمات كبيرة واضحة، ومعالجة الانهيار الاقتصادي وسرقة أموال الناس وضبط الفلتان الأمني الداخلي فالأمور لا تحل ببوادر سياسية أو مساعدات اجتماعية ومالية، فمن أراد مساعدة اللبنانيين عرف أن الطريق هي إقرار برنامج انقاذي بعدما افتقد المواطن أدنى متطلبات الحياة اليومية بما فيها الخبز والدواء والبنزين. وفي كل دول العالم الحكومات العاجزة عن معالجة أمور الناس تواجه بثورات للقضاء على سياسات التجويع والفساد.

وإذا كان لا بد من دراسة سريعة للأسباب التي تدفع الى الثورة، فإن عدم تأمين الغذاء والجوع هما الدافع الأول للنزول الى الشوارع وهو ما شهدناه في عدد من دول العالم العربي وأوروبا الشرقية وغيرها.

في لبنان كل المشكلات لا سيما الكهرباء وغيرها سببها التحاصص ومافيات الشركات التي تنبت مثل الفطر في هذا المشروع أو ذاك ليستفيد الوزير فلان أو النائب علان أو المسؤول الحزبي هنا أو هناك من قوى السلطة الحاكمة. وحتى يستفيد الوزير في ملف الكهرباء كعينة يدفع المواطن أضعافاً مضاعفة من دون حسيب أو رقيب على الأموال التي تصرف لدعم مشاريع خاصة والاستفادة من سلطته للتهرب من الضرائب والعيش في نعيم. ووصل الأمر الى التجارة برغيف الناس، فالمافيات تهرّب الخبز الى سوريا وهناك من لديه المال الكافي لصناعة الخبز الافرنجي والحلويات وخبز الصاج والطابونة وغيرها من الأنواع، بينما الخبز العربي الأبيض أي خبز الفقير مفقود ويكاد يشعل حرباً على أبواب الأفران.

من الصحيح أيضاً أن المازوت قد لا يؤمن وثلاجات اللبنانيين تعطلت والمدارس والجامعات في أزمة والوزارات لا تعمل حتى الموظفون والعسكريون لا يقبضون رواتبهم، وهذا سيدفع الأمور نحو انفجار كبير عاجلاً أم آجلاً.

القدرة الشرائية للناس صارت معدومة، الأسعار ترتفع في كل القطاعات، الاتصالات، الأدوية، الخبز، مؤسسات الدولة تنهار ولا أحد من المسؤولين يصارح الناس بما يحدث وماذا سيحصل؟

المسؤولون مستمرون في المناكفة السياسية، يختلفون على الحصص وتوزيع السيطرة على قطاعات الدولة ومؤسساتها. طبقة سياسية محكومة فاسدة تعمل بأمرة حزب السلاح وتتصرف وكأنها في اقامة مؤقتة في لبنان وهمها الاستمرار في الامساك بمقاليد الحكم حتى وإن سقط الهيكل فسينجون منه لأن لديهم جنسيات أخرى ومصالح في بلاد الغير وأموالهم خارج لبنان، بينما لا شيء يعمل في البلد وأموال الناس محتجزة والشعب مقهور ومعاناته تشتد يوماً بعد يوم وهو يتطلع حوله بعيون مفتوحة غير قادر حتى على إطلاق صرخة إحتجاج أو ربما حشرجة موت.

لا يشكك أحد بأن بعض الأزمات مفتعلة للضغط على الناس حتى يقبلوا بحلول الفاسدين من هذه الطبقة السياسية المحمية من مرشد الجمهورية، ساعة ترتفع خدمة الاتصالات، وساعة يطلب من اللاجئين السوريين المغادرة، وساعة وبقدرة قادر تشتعل أزمة الخبز وتلجأ غرف العتمة الى ترويج شائعات وتحميل اللاجئ السوري المسؤولية عن اشكالية الرغيف وكأن أزمة المواطن اللبناني افتعلها اللاجئون السوريون، وتعمم دراسات لمؤسسات تتبع حليفي اتفاق مار مخايل عن نسبة استهلاك اللاجئين من ربطات الخبز وكل الحكاية أنهم يريدون رفع سعر الربطة الى 40 ألف ليرة، اضافة الى تحميل العجز عن اصلاح الكهرباء، وحتى المياه، لاستهلاك اللاجئين السوريين وهو أمر مضحك مبكٍ.

إذا حاولنا التسليم بأن مشكلة لبنان في اللاجئ السوري، فلا بد من توضيح الكثير من الأمور: أولاً السوريون في لبنان أقسام، القسم الأول هو فعلياً لاجئ وتتحمل مسؤوليته الأمم المتحدة وتدفع له أموالاً ليعيش في لبنان أي يصرف فيه ويستفيد لبنان من تعليم السوريين بدعم من الأمم المتحدة ومن الايجارات وغيرها. وهناك قسم ثان من السوريين يعملون في مهن الزراعة ورعي الماشية وفلاحة الأرض وقطف الزيتون وحصاد القمح، وهناك من هم عمال تنظيف أو في مهن أخرى ولبنان بحاجة الى اليد العاملة السورية. والقسم الثالث هم عمال يأتون الى لبنان للعمل فقط، وقد يسجل الواحد منهم نفسه لاجئاً وهذا ما يسبب أزمة، ولكن الأزمة الفعلية هي في التهريب على المنافذ والحدود البرية وعدم العبور عبر المنافذ الشرعية بقسائم دخول وخروج وبالتالي دفع ضرائب استخراج اقامات عمل.

لا يمكن القاء المشكلات على عاتق اللاجئ السوري، فأزمة القمح عالمية اندلعت منذ حرب أوكرانيا والدول اتخذت تدابير سريعة لتفادي الأسوأ الا في لبنان البلد المفتوح حتى للقمح المسروق ببواخره بعد النيترات التي فجرت مرفأ بيروت. والسؤال لماذا لم تعمل الدولة على منع تجار الطحين من بيعه في السوق السوداء حتى بلغ سعر كيس الخمسين كيلو مئة دولار وأكثر، والناس اشترته وخزّنته لصنع خبزها بيتياً؟

المشكلة ليست في اللاجئ السوري وانما في نظام الدولة المؤسساتي الذي تسيطر عليه مافيات مرتبطة ومحمية بالسلطة وليست مرتبطة بلاجئين مسجلين في الأمم المتحدة، يستهلكون 400 ألف ربطة خبز يومياً.

شارك المقال