سعادته… كان في “كوما سياسية”

ميرنا سرور
ميرنا سرور

تنقسم مكونات المجلس النيابي الجديد بين “ممانعين” و”تغييريين” و”سياديين”، وفيما تختلف هذه المكونات بينها قولاً، يجمعها فعلاً أمرٌ واحد، الشعبوية!.

احترف الشعبويون سياسة المزايدات طيلة السنوات الماضية، واقتاتوا عليها، بل وخاضوا حملة انتخابية انطلاقاً منها، فكان الاعتدال ضحيةً. قرر هذا الاعتدال متمثلاً بالرئيس سعد الحريري تعليق مشاركته في الحياة السياسية، تاركاً الساحة لزنود الشعبويين، غير أنه وبعد أشهر ثمانٍ مرّت من دون تسجيل إنجازٍ يُذكر، خرج عضو كتلة “الكتائب النيابية” الياس حنكش مطالباً سعد الحريري بالمواجهة، وكأنّما سعادته كان في كوما سياسية.

علق الحريري عمله السياسي، فظلّت في الساحة “زنودكم” التي انتظرنا أن تشمّروا عنها، إلّا أن شيئاً لم يحدث، لم تقر استراتيجية دفاعية، بل لم تُبحث أصلاً، ولم يُعلن حياد لبنان، ولم يُحاسب المسؤولون عن جريمة المرفأ، ولم تُضبط المعابر الحدودية، ولا أقرت إصلاحات، ولا حتّى أوقف نزيف الهجرة للحظة، كل شعاراتكم ظلّت كلاماً، تماماً كما كانت خلال السنوات الماضية.

انصرفتم بدلاً عن هذه الشعارات لبحث تقسيم العاصمة بيروت، فجمعكم بـ”خصمكم” الخطاب الطائفي، ولو منمّقاً في بعض الأحيان، وبدل البحث في كيفية تصويب عمل المجلس البلدي وإصلاحه قررتم العودة بنا الى زمن “الشرقية” و”الغربية”، واستغليتم غياب “المستقبل” الذي ثبّت المناصفة (12 عضواً مسلماً و12 مسيحياً)، تماماً كاستغلالكم لوجع أهالي ضحايا المرفأ، وأوحيتم بأن الانفجار استهدف “بيروت المسيحية” وأن بلدية بيروت تلكّأت في معالجة آثار الكارثة.

وبالحديث عن انفجار المرفأ، بالأمس انهارت إهراءات القمح في مرفأ بيروت، تلك التي كانت شاهدة تمثّل الذاكرة الجماعية لأهالي العاصمة، كل العاصمة! الحريري كان تقدّم وكتلته النيابية باقتراح قانون لتعليق الحصانات، لو أبصر النور لكنّا ربما رأينا اليوم المسؤولين عن هذه الجريمة يحاسبون فعلاً لا قولاً، أو لو أن تحقيقاً دولياً كالذي طالب به الحريري منذ اللحظة الأولى كان فُتح، لربما كان المجرمون، كباراً وصغاراً، في قبضة القضاء الدولي اليوم، ولما كنّا وقفنا نبكي على الأطلال بأننا عشية الذكرى الثانية نشهد انهيار الشاهدة لا محاكمة المجرمين.

في غياب الحريري كما في حضوره، تبقى شعارات المزايدين كلاماً لم ولن يقرن يوماً بأفعال، والساحة السياسية اليوم ليست سوى حلبة يتصارع فيها اللاعبون كلاماً، فلا هؤلاء “لا يساومون”، ولا أولئك “بدهم وفيهم”، وحتى “التغيير” ليس سوى حملاً وديعاً يغضب حيناً في وجه ذكورية المجلس، ويبتسم أحياناً في وجه “جميل”.

شارك المقال