آب لبنان… أزمات بلا حدود

هدى علاء الدين

إفتتح شهر آب أيامه الملتهبة في لبنان على وقع استحقاقات بالجملة سترسم مسار المرحلة المقبلة سياسياً واقتصادياً، علّ الخريف يحمل في طياته انفراجات انتظرها اللبنانيون طويلاً. أسابيع الشهر الفائت لم تحمل معها أي جديد، فبقيت الأزمات على حالها تحاكي واقعاً مريراً لم يخرقه سوى استقرار العملة الأجنبية الناتجة عن الدولار الاغترابي وتمديد مصرف لبنان العمل بالتعميم 161 على الرغم من ملامسته عتبة الـ 30 ألفاً.

أجواء من الإيجابية سيطرت على زيارة الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين ولا سيما بعد الاجتماع الذي عقده مع الرؤساء عون وبري وميقاتي في قصر بعبدا، حيث أبدى تفاؤله في حصول المزيد من التقدم في ملف الترسيم، آملاً الوصول إلى اتفاق في الأسابيع المقبلة. فإسرائيل التي قبلت أن يكون حقل “قانا” بالكامل من نصيب لبنان، طلبت أن يكون الخط 23 متعرجاً الأمر الذي يسمح لها بالحصول على أجزاءٍ من البلوك الذي يحمل الرقم 8، وهو ما رفضه الجانب اللبناني رفضاً قاطعاً بانتظار المزيد من المشاورات والمفاوضات ستأخذ المزيد من الأسابيع من أجل حسمها، ليبقى بذلك ملف الترسيم عالقاً حتى إشعار آخر.

هذه الإيجابية المفرطة في موضوع ترسيم الحدود، لم تجد لها مكاناً بعد لدى المعنيين بتشكيل الحكومة العتيدة، بل جلّ ما في الأمر إطلاق تحذيرات هنا وهناك مفادها أن عدم تشكيل الحكومة يعرّض لبنان إلى المزيد من الخضّات. أما سبب الإخفاق في التشكيل، فيعود إلى عدم توافر المقوّمات والمعايير الضرورية، من أجل أن تكون فاعلة وقادرة على القيام بمسؤولياتها حاضراً ومستقبلاً، ليبقى بذلك مصير الحكومة الجديدة مجهولاً حتى انتهاء العهد.

وفيما يتعلّق بالإصلاحات التي أخفق لبنان في إقرارها الشهر الفائت في ظل فراغٍ حكومي من المتوقع أن يمتد إلى نهاية العهد الجاري، فقد كان لافتاً ما قاله رئيس مجلس النواب نبيه بري لناحية عدم دعوته إلى عقد جلسة لانتخاب رئيس جديد للبلاد إلى حين إقرار المجلس إصلاحات تمثل شروطاً مسبقة لبرنامج الإنقاذ من صندوق النقد الدولي، وهو ما تراه مصادر “لبنان الكبير” تلميحاً لفراغ سياسي قد يلوح بالأفق خصوصاً أن إقرار الإصلاحات لن يكون أمراً سهل التنفيذ بسبب التعقيدات التي ترافقها وتباين وجهات النظر حولها. ومن هنا يأتي كلام رئيس مجلس النواب في سياق الضغط على الأطراف المعنية من أجل حثّهم على ضرورة تبنّي هذه الإصلاحات كي لا يتأخر لبنان كثيراً في الحصول على أموال صندوق النقد، ولا سيما أن عدم الاتفاق على مرشح مسبق لرئاسة الجمهورية سيضع الاستحقاق الدستوري في مهب الريح وسيصعّب من مهمة متابعة المفاوضات بنجاح.

في المقابل، خف وطيس أزمة الخبز التي اتجهت بوصلتها نحو الحلحلة الموقتة والابتعاد عن اتخاذ قرار رفع الدعم كلياً في الوقت الراهن، والاستفادة من قرض البنك الدولي بقيمة 150 مليون دولار من أجل تنفيذ مشروع الاستجابة الطارئة لتأمين إمدادات القمح. وفي هذا الإطار أيضاَ، ينتظر لبنان 26 ألف طن من القمح وذلك بموجب الاتفاق الذي وقعه ممثلون عن روسيا وأوكرانيا وتركيا والأمم المتحدة والذي يسمح بتصدير الحبوب الأوكرانية تحت إشراف دولي. وحسب وزارة الدفاع التركية، فإن سفينة رازوني قد غادرت ميناء أوديسا باتجاه مرفأ طرابلس في لبنان، على أن تصل إلى إسطنبول اليوم ثم تواصل طريقها إلى وجهتها بعد إجراء عمليات التفتيش الخاصة بها.

إذاً، يستعدّ لبنان لأسابيع فاصلة سيكون لها عناوين عريضة بدءاً من الاستحقاق الرئاسي، وصولاً إلى ترسيم الحدود البحرية، مروراً بإقرار الإصلاحات الحاسمة، من دون إغفال الأزمات الروتينية المالية والاجتماعية التي لا تزال جميعها متأجّجة في ظل تأرجح حكومة تصريف الأعمال وتأجج الجبهة السياسية مع بدء العدّ العكسي لانتهاء ولاية رئيس الجمهورية وتحوّل المجلس النيابي مع بداية أيلول المقبل إلى هيئة ناخبة لانتخاب رئيس لم يتم حتى الآن التوافق على هويته محلياً وعربياً ودولياً. وإلى ذلك الحين، ستبقى الأنظار شاخصة بحذر إلى ما ستؤول إليه نهاية هذا الصيف من أجل نزع فتيل الأزمات المتنقلة التي أصبحت قنابل موقوتة تهدّد خريف لبنان الآتي.

شارك المقال