واشنطن تعيد ارتكاب الخطأ الأوكراني في تايوان

حسناء بو حرفوش

تتصاعد التوترات بين الولايات المتحدة والصين بصورة حادة على خلفية قضية تايوان والزيارة المعلنة لرئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي إليها خلال رحلتها إلى شرق آسيا. ويبدو حسب قراءة للمحلل تيد غالن كاربنتر، أن بيلوسي صعّدت من هذا الاستفزاز من خلال دعوة أعضاء بارزين آخرين في الكونغرس للانضمام إليها.

وحسب تحليل كاربنتر، “ما بين الدفع الى الاستمرار بهذه الخطوة والضغط للتراجع عنها، من السهل استنباط سبب حذر إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن. وردت بكين بغضب شديد غير معتاد على الزيارة المرتقبة، بحيث حذر الرئيس شي جين بينغ الولايات المتحدة من (اللعب بالنار) بشأن قضية تايوان. وتعتبر زيارة بيلوسي الأحدث والأكثر جدية في سلسلة من الاجراءات الأميركية على مدى السنوات العديدة الماضية والتي أثارت غضب قادة جمهورية الصين الشعبية. وتحتاج إدارة بايدن الى توخي قدر أكبر من الحذر بشأن مشروع بيلوسي أكثر مما لديها بالفعل. وفي الواقع، تحتاج واشنطن الى التراجع عن سياستها العامة المتشددة تجاه جمهورية الصين الشعبية.

وعلى مدى أربعة عقود بعد أن حوّلت واشنطن العلاقات الديبلوماسية من تايبيه إلى بكين في العام 1979، حرصت الادارات الأميركية على قصر الزيارات إلى الجزيرة على المسؤولين من المستوى غير الرفيع. وتضاءل ضبط النفس هذا بصورة كبيرة خلال رئاسة دونالد ترامب، عندما أذن الكونغرس ووافقت الادارة على اجتماعات مستشار الأمن القومي جون بولتون ومسؤولين آخرين على مستوى مجلس الوزراء مع نظرائهم التايوانيين. وكانت تلك الرحلات جزءاً من سياسة جديدة لتقديم دعم ديبلوماسي وعسكري أميركي أقوى الى تايوان.

وازدادت شكاوى بكين حول تصرفات واشنطن بأسلوب مطرد حتى وصلت اليوم إلى مستويات مواجهة علنية في ما يتعلق بزيارة بيلوسي. وتحتاج إدارة بايدن الى أخذ تحذيرات جمهورية الصين الشعبية بجدية أكبر. ويذكّر تصميم واشنطن على المضي قدماً في تقديم دعم أكبر لتايوان كجزء من سياسة الاحتواء الشاملة الموجهة ضد الصين، من نواح عديدة، بالأخطاء الفادحة التي ارتكبها المسؤولون الأميركيون في ما يتعلق بتوسيع الناتو.

ورفض صانعو السياسة في إدارة بايدن تحذيرات الكرملين المتكررة والتي اعتبرت أن محاولة جعل أوكرانيا أحد الأصول العسكرية لحلف شمال الأطلسي تعني تجاوز الخط الأحمر في ما يتعلق بالمصالح الأمنية لروسيا. واكتشف هؤلاء في وقت متأخر أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لم يكن على وشك الانصياع وقبول الاملاءات الأميركية لمجرد أن الولايات المتحدة أصرت على أن لأوكرانيا (الحق) في الانضمام الى الناتو. كما أنه لم يقبل حملة واشنطن المتسارعة لجعل أوكرانيا بحكم الأمر الواقع حليفاً عسكرياً واستخباراتياً للولايات المتحدة على حدود روسيا. وأدت سياسات الادارة الأميركية إلى مواجهة خطيرة للغاية بين الناتو وروسيا المسلحة نووياً، بحيث استخدمت الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي أوكرانيا بصورة ساخرة كبيدق في حرب بالوكالة ضد موسكو.

وتخاطر واشنطن بارتكاب خطأ فادح مماثل في تعاملاتها مع الصين. ويجب على الادارة تنفيذ تراجع هادئ في ما يتعلق بعلاقاتها السياسية والعسكرية المتنامية مع تايبيه واعتماد نهج أقل تصادمية مع بكين. علاوة على ذلك، يجب أن يذهب هذا التغيير إلى أبعد من مجرد تثبيط زيارة بيلوسي الاستفزازية إلى تايبيه. لقد أصبح من الواضح بصورة متزايدة لقادة جمهورية الصين الشعبية أن الولايات المتحدة تنتهج سياسة احتواء شاملة مناهضة للصين، مع تايوان كرأس الحربة، في محاولة يائسة للحفاظ على تفوق واشنطن الاستراتيجي المتلاشي في شرق آسيا. ومن غير المرجح أن تقبل بكين بصورة سلبية مثل هذا الوجود الأميركي التدخلي في المجال الأمني ​​الأساسي للصين على المدى الطويل. ومع استمرار القوة الاقتصادية والعسكرية لجمهورية الصين الشعبية في النمو، سوف تتصاعد مقاومة بكين لجهود هيمنة واشنطن. وساهمت غطرسة الولايات المتحدة وعدم مرونتها في وقوع المأساة الحالية في أوكرانيا، ويبدو أن علاقات واشنطن مع بكين تعكس نهجاً مشابهاً، وهو يهدد بإحداث نتيجة مماثلة في شرق آسيا بشأن قضية تايوان”.

شارك المقال