إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها بعيد المنال!

صلاح تقي الدين

بعدما كانت مصادر ديبلوماسية غربية أكّدت في وقت سابق حتمية إجراء الانتخابات الرئاسية قبل انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في 31 تشرين الأول المقبل، يبدو أن حظوظ نجاح هذه الانتخابات تتراجع خاصة في ظل إصرار الفريقين السياسيين المتقابلين في لبنان على فرض شروط تدفع بهذه الانتخابات إلى ما بعد المهلة الدستورية التي تبدأ في الأول من أيلول المقبل، وبعدما أصبحت شخصية الرئيس العتيد على طاولة البحث لدى مختلف القوى الخارجية المعنية.

وكانت هذه المصادر أبلغت “لبنان الكبير” أن إصرار الدول الاقليمية والغربية المعنية تاريخياً بالانتخابات اللبنانية، على إجراء الانتخابات التشريعية في موعدها، وهو ما حصل، سينعكس حكماً على إجراء الانتخابات الرئاسية ضمن المهلة الدستورية التي يحددها الدستور اللبناني بفترة شهرين على الأكثر وشهر على الأقل قبل انتهاء ولاية الرئيس عون.

غير أن التطورات المتعلقة بقضية ترسيم الحدود البحرية بين لبنان ودولة الاحتلال الاسرائيلي، وبعد رسائل المسيرات التي بعث بها “حزب الله” إلى منطقة استخراج الغاز الاسرائيلي من حقل “كاريش” وتهديد الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله بعدم السماح لاسرائيل باستخراج الغاز ما لم يرفع الحظر الغربي عن استخراج الغاز اللبناني، حوّل اهتمام هذه القوى باتجاه إيجاد حلّ سريع لقضية ترسيم الحدود البحرية لحاجة أوروبا إلى الغاز المتوسطي في أسرع وقت ممكن.

وتقول المصادر الديبلوماسية الغربية إن الوسيط الأميركي لشؤون أمن الطاقة العالمية آموس هوكشتاين الذي سارع الى القدوم إلى لبنان بعدما شارك في الزيارة المهمة للرئيس الأميركي جو بايدن إلى إسرائيل والضفة الغربية ومنطقة الخليج، ومشاركته في “قمة جدة للأمن والتنمية” مع مصر والأردن والعراق، حاول إضفاء أجواء إيجابية على الاجتماع الذي ضمّه إلى الرؤساء الثلاثة مبشّراً بسد فجوة كبيرة واحتمال التوصل إلى اتفاق على الترسيم بعدما لمس موقفاً لبنانياً موحداً من هذه القضية ملّخصه: حقل قانا بكامله للبنان وعدم اقتطاع أي جزء من المربع 8 لصالح إسرائيل.

وبانتظار عودة هوكشتاين من زيارة سريعة إلى إسرائيل للعودة بالجواب من حكومة الكيان الصهيوني والذي يأمل أن يكون إيجابياً وبالتالي الذهاب مجدداً إلى مفاوضات غير مباشرة في الناقورة تمهيداً لتوقيع اتفاق الترسيم، تحوّل الاهتمام الداخلي والخارجي على السواء إلى إنجاز هذا الاتفاق قبل الوقوع في المحظور بأن ينفّذ “حزب الله” تهديده ويمنع إسرائيل من البدء باستخراج الغاز في أيلول المقبل ما قد يدخل لبنان والمنطقة في خضم تصعيد عسكري قد يجر إلى حرب إقليمية، وهو ما لا يخشاه السيد نصر الله الذي كان أعلن ذلك صراحة.

كما أن عدم تشكيل حكومة جديدة لأن الرئيس المكلّف نجيب ميقاتي يرفض تنفيذ أي من شروط رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل حيال “حصته” في الحكومة العتيدة، معطوفاً على التصريح المثير “للجدل الدستوري” الذي أطلقه رئيس مجلس النواب الرئيس نبيه بري حول عدم دعوته المجلس الى الانعقاد في جلسة انتخابية رئاسية قبل الانتهاء من إقرار القوانين الاصلاحية التي هي مدخل للوصول إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، يجعل مسألة إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها الدستوري بعيدة المنال.

عوامل عديدة تدفع إلى التشكيك بهذا الأمر منها عدم رغبة القوى السياسية المناهضة للرئيس عون وباسيل في الإقدام على أي خطوة قد تعتبر “إنجازاً” لعهد الرئيس القوي يستطيع من خلاله أن يستثمره مع بداية العهد الجديد. كما أن مواصفات الرئيس العتيد كما حدّدها البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي والتي أسقطت من غرباله معظم الأسماء الرئاسية التقليدية من سمير جعجع إلى جبران باسيل وسليمان فرنجية، والوصف الذي أطلقه رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط بأن البحث يجب أن يكون عن “الياس سركيس جديد”، يدفع هذه القوى إلى التفتيش عن شخصية توافقية بعيدة عن المحاور وتجمع ولا تقسم ولا تشكّل تحدياً لأي منها، وهذا الأمر قد يأخذ وقتاً غير قصير خصوصاً أن بعض الأسماء التي يتم التداول بها في أروقة الديبلوماسية الدولية يجب تمريرها والحصول على قبول داخلي حولها.

أسابيع ثلاثة مفصلية ستمر على لبنان واللبنانيين الذين يأملون في أن تكون التسوية التي سيصار إلى إنجازها على “البارد” وأن لا يدخل لبنان في مرحلة “الكباش” البحري والغازي ويصبح عنواناً مركزياً في الحرب الروسية – الأوكرانية كما ألمح جنبلاط في تغريدة على موقع “تويتر”، وأن تمرّ هذه المرحلة على خير حتى لو دخلنا في فراغ رئاسي قصير المدة.

شارك المقال