الذكرى الثانية لانفجار المرفأ… لن ننسى ولن نتعب

هيام طوق
هيام طوق

وكأن اهراءات مرفأ بيروت أبت أن تبقى شامخة في عزها، وأهالي ضحايا الانفجار، مكسورو الخاطر، يعانون الأمرين من فراق فلذات الأكباد، وتكاد عيونهم لا تغمض لا ليلاً ولا نهاراً من البكاء والدموع التي تحرق وجوههم وقلوبهم خصوصاً أن دولتهم لم تبلسم جراحهم بموقف مشرّف أو بكلمة طيبة ولا حتى بتحقيق شفاف يشفي غليلهم، ويخفف من لوعتهم في ظهور الحقيقة كاملة ومحاسبة المرتكبين.

في الذكرى الثانية للانفجار الذي أسفر عن أكثر من 200 شهيد وآلاف الجرحى والمشردين وألحق دماراً كبيراً بالعاصمة، يعيش أهالي الضحايا لحظات حفرت في ذاكرتهم مأساة عصر ذلك اليوم المشؤوم، ومشهد انهيار الاهراءات وأصوات الطقطقة الناتجة عن التصدع والغبار والنيران المشتعلة داخلها ورائحة المحتويات المحترقة، كلها أمور جعلتهم يستحضرون لحظة الانفجار مع فارق يعتبرونه متساوياً في الأوجاع بين العامين 2020 و2022، فعند وقوع الانفجار أمضوا أياماً يبحثون عن مفقوديهم مع أمل العثور عليهم أحياء، فيما اليوم يفتشون عن حقيقة ضائعة ولا أمل لهم في ايجادها من خلال القضاء اللبناني، لذلك يتجهون الى لجنة تقصي حقائق دولية.

النيران المشتعلة في الاهراءات التي لم تتدخل السلطات المعنية لاطفائها بحجة أنها تحتاج الى مواد غير متوافرة في لبنان، تشعل معها قلوب وأعصاب الأهالي الذين يعتبرونها الشاهد الحي على أكبر انفجار غير نووي، ومن حقهم الحفاظ عليها كي تكون عبرة للأجيال الصاعدة وعدم تكرار الأخطاء نفسها. الاهراءات التي تزعزع أساسها جراء الانفجار اضافة الى النيران المشتعلة فيها منذ فترة باتت مهددة بالسقوط في أي لحظة، بحيث اتخذ الجيش أول من أمس اجراءات في محيطها بعد تسجيل حركة متسارعة لانحناء صوامع القمح وسط تأهب الدفاع المدني وفوج الاطفاء، مع العلم أن الناس تتوجه الى أعمالها وتمر على الطريق المحاذي بعد أن طمأن المهندسون الى أن لا خطر على المارة والسيارات انما على الناس القريبة من المكان ارتداء الكمامات لساعات بعد سقوط الاهراءات.

إذاً، يستعد الأهالي لاحياء الذكرى، وهم مصرون أكثر من أي وقت مضى على الوصول الى الحقيقة، ومؤمنون بأنه اذا كان للباطل جولة فللحق ألف جولة، واذا كان المسؤولون اليوم يعرقلون التحقيق، فسيأتي يوم تتغير هذه السلطة مهما استبدت في قراراتها، والتاريخ خير دليل. يريد الأهالي احياء الذكرى الأليمة على الطريق العام مقابل المرفأ ليتمكن الجميع من المشاركة بحيث سيتم التوقيع على علم كبير للمطالبة بإظهار الحقيقة، وأيضاً على عريضة سيرفعها الأهالي الى الأمين العام للأمم المتحدة خلال زيارة له، وإخباره عن العرقلة التي يتعرض لها التحقيق. كما ستنطلق 3 مسيرات، واحدة من أمام قصر العدل وأخرى من وسط بيروت والثالثة من أمام فوج الاطفاء، وستلتقي عند المنصة حيث ستكون هناك كلمة لمكتب حقوق الانسان الدولي الذي يتمتع بمصداقية كبيرة، وكلمة باسم الأهالي عن كيفية الاستمرار والاعلان عن خارطة عمل للسير في التحقيق وصولاً الى الحقيقة، والقسم أمام الجميع على عدم النسيان ومتابعة المسيرة.

كل ما يقال عن سقوط الاهراءات يهدف الى تخويف الناس كي لا يشاركوا في إحياء الذكرى، بحسب ويليام نون شقيق الشهيد جو نون، الذي أكد “أننا نطالب بإبقاء القسم الجنوبي المتماسك كرمز للانفجار وليبقى شاهداً على أوجاعنا وعلى أوجاع قلب العاصمة. لن ننسى قضيتنا ولن نتعب، ونحن نعلم منذ البداية أن الطريق طويل وشاق والمسؤولية كبيرة لكننا مؤمنون بأن ما من سلطة تستمر الى ما لا نهاية، وسيأتي يوم نعيش فيه في كنف دولة فعلية لن تقبل طمس الحقيقة”.

كان يجب منذ البداية اللجوء الى لجنة تقصي حقائق دولية للوصول الى نتائج علمية في أقرب وقت ممكن، بحيث أن اللجنة لا تعترضها الحصانات أو استخدام حق التقاضي لشل حركة المحقق العدلي، كما قال الرئيس السابق لمجلس شورى الدولة القاضي شكري صادر، مشيراً الى “أننا جرّبنا القضاء اللبناني والأجهزة الأمنية والطبقة السياسية، الذين لم يعطوا أي نتيجة حتى الآن ولن يعطوا نتيجة في المستقبل. اذاً، علينا اللجوء الى تحقيق دولي في قضية انفجار المرفأ”.

القضاء اللبناني مستعد للقيام بواجباته انما الطبقة السياسية لم تسمح له بالعمل، وتشل حركته، بحسب تأكيد صادر، “فعلى سبيل المثال، اذا أردنا تعديل القانون بأن كل مدعى عليه يحق له طلب رد القاضي مرة واحدة وليس مرات متتالية في حين أن لجنة الادارة والعدل فيها نواب صادرة بحقهم مذكرات توقيف ومطلوبون أمام المحقق العدلي. كيف يمكن تمرير القوانين الاصلاحية المتعلقة بانفجار المرفأ ونرى أن أهم لجنة في البرلمان فيها مطلوبون للعدالة؟. من هنا يمكن القول ان هناك نوعاً من اليأس”.

بالمختصر المفيد لا دولة في لبنان، لأن القاسم المشترك بين المواطنين في أي بلد هو الدولة التي تحفظ حقوقهم، وهذا غير موجود في بلدنا لا بل نعيش في “حارة كل مين ايدو الو”، هذا ما قاله الناشط والكاتب السياسي سمير سكاف الذي اعتبر أن “من هم في الحكم يعرقلون التحقيق بحيث لا ارادة في العدالة والتحقيق الشفاف حتى أن بعض المطلوبين للعدالة هم اليوم نواب وأعضاء في لجنة الادارة والعدل في المجلس النيابي. البعض فوق القانون. انهم يحاولون إقفال ملف التحقيق في انفجار المرفأ لكن نحن كمجتمع مدني والأهالي وكل الشعب لن نسمح بذلك، وسنكون لهم بالمرصاد لأنه لا يجوز لانفجار بهذا الحجم أن يطمس كما حصل في كثير من الملفات الأخرى”.

شارك المقال