لنجعل من عاشوراء حافزاً للبناء والتقدم

السيد محمد علي الحسيني

ليس هناك من أمة لا تمتلك تاريخاً فيه أمور وقضايا سلبية، خصوصاً من حيث بعض الأحداث والتطورات التي مرت بها، وإن الملاحظة المهمة التي يجب أن نذکرها هنا، هو أن العديد من الأمم قامت بمراجعة تاريخها واتخذت مواقف عقلانية وموضوعية من الأمور والمسائل التي تثير الاختلاف والحساسيات، وتولد الکراهية والأضغان، لتصبح هذه المسائل تبعث على الوحدة والتآلف وليس الاختلاف والانقسام.

لكل تاريخ كبوة… وعاشوراء مرحلة تاريخية لها مميزاتها وخصائصها لأخذ الدروس والعبر.

تاريخنا العربي الإسلامي ليس بمنأى عن الأمور والقضايا السلبية، ولاسيما أنه حافل بالأحداث والتطورات المتباينة، ولأسباب مختلفة تتعلق معظمها بطبيعة المراحل التاريخية وظروفها وأوضاعها، فقد بقيت آراء ومواقف واجتهادات هي في الحقيقة صدى وانعکاس لتلك المراحل، لکننا نعلم بأن لکل مرحلة وفترة تاريخية ظروفها وأوضاعها ومستجداتها الخاصة، كما أن المراحل والفترات التاريخية ليست بالضرورة متشابهة، خصوصاً وأن الأمم تتطور وتمضي الى الأمام والکثير من معالم الحياة في تغير مستمر.

مأساة عاشوراء، التي آلمت وتٶلم الأمة الاسلامية على مر الزمان، واحدة من جملة الأمور والمسائل التي للأسف هي أسيرة لفهم وتفاسير ووجهات نظر تتعلق معظمها بتلك الفترة التي وقعت فيها، لکن يتم انسحابها على مختلف العصور والمراحل الزمنية الأخرى، وإن في هذا خطأ يجب تفاديه والانتباه له بدقة، ذلك أن لکل فترة ومرحلة تاريخية مميزاتها وخصائصها التي لا نستطيع القول بأنها يمکن أن تتشابه مع المراحل الأخرى القادمة بل وحتى مع التي سبقتها، إذ وکما يقول المثل، لکل مقام مقال ولکل حدث حديث.

أمتنا بحاجة الى غربلة المسائل التاريخية التي تبعث على الفرقة وإثارة الکراهية والأحقاد.

إن هناك أمراً يجب أن لا ننساه ونأخذه في الاعتبار ومحمل الجد، وهو أن الکثير من المسائل والأمور التاريخية تعرض للتشويه والتحريف والتزوير، بل يجب علينا أن لا ننسى بأنه حتى الأحاديث النبوية الشريفة لم تسلم من ذلك، ولذلك فإن الحاجة أکثر من ماسة لکي يتم تمحيص وغربلة الکثير من المسائل والمواضيع، خصوصاً التي تبعث على الفرقة والاختلاف والتباعد وإثارة الکراهية والأحقاد.

إن مأساة عاشوراء والأحداث والتطورات التاريخية الأخرى التي مرت بها الأمة الإسلامية هي في الحقيقة أمور من الماضي، وإن الأمم تتعظ وتأخذ العبر من ماضيها وتسعى الى جعله عاملاً وحافزاً من أجل رفع همم أجيالها الشابة ودفعها من أجل العمل والبناء بما يخدم حياتها في مختلف المجالات وعلى الأصعدة كافة.

إن الأمم التي تراجع تاريخها وتقوم بإعادة صياغة المواقف منه باعتبار أن الأجيال اللاحقة ليست مسٶولة أبداً عما بدر عن الأجيال السابقة، وخصوصاً تلك التي تفصلها عنها مئات القرون، بطبيعة الحال هذا لا يعني بالضرورة أن الأمم ترفض ماضيها، إنما تسعى الى أن تکون لکل مرحلة رٶيتها الخاصة بها وليس أن تخضع لرٶية عصور مرت وانقضت.

الأمتان العربية والإسلامية بحاجة الى البناء والتقدم وليس إعادة أمجادها السابقة فقط، بل وتصنع أعظم منها.

شارك المقال