المرأة التي “هزّت” العالم

تالا الحريري

من هي نانسي بيلوسي المرأة التي “هزّت” العالم وليس العرش الصيني وحسب؟ هي أول امرأة في تاريخ الولايات المتحدة تتولى رئاسة مجلس النواب، المنصب المهم الذي يضعها في المرتبة الثالثة في هرم السلطة بعد الرئيس ونائبه.

بيلوسي التي تبلغ من العمر 82 عاماً، حبست أنفاس العالم، خلال زيارتها الى تايوان مؤخراً، خشية حدوث تصادمات بين كل من بكين وواشنطن، إذ وصفت الزيارة بالاستفزازية والمنتهكة لسيادة الصين، وهي الأولى التي يجريها رئيس مجلس نواب أميركي منذ 25 عاماً، بعد رحلة الجمهوري نيوت غينغريتش في العام 1997 للقاء الرئيس التايواني آنذاك لي تنغ هوي. في حين قام الجيش الصيني بتدريبات عسكرية بالقرب من مضيق تايوان، كما بدأ بتدريبات بالذخيرة الحية، في 6 مناطق حول تايوان من 4 إلى 7 آب. وأعلنت وزارة الدفاع الصينية أنّ الجيش الصيني في حالة استعداد قتالي، لتعلن تايوان في المقابل عن حالة التأهب العسكري وقدرتها على حماية أمنها، إذ قررت وزارة الدفاع الثلاثاء الماضي رفع مستوى الإنذار القتالي لقواتها.

في المقابل، أعلنت بيلوسي أنّ تهديدات بكين لن تخيفها، وهذه المواجهة ليست الأولى من نوعها مع الصين، فلديها تاريخ طويل من الانتقادات لبكين والعكس كذلك، واعتبرت ناقدة قوية لها لأكثر من 30 سنة. ومن أبرز الحوادث التي تختصر موقف بيلوسي المعارض للنظام الشيوعي في الصين، زيارتها لبكين في العام 1991، وهي الزيارة التي أثارت غضب السلطات الصينية، حين وقفت في ساحة تيانانمن الشهيرة، وهي ترفع لافتة لإحياء ذكرى الضحايا، الذين قتلوا في الموقع نفسه قبل عامين فقط من زيارتها في ما يعرف بـمذبحة تيانانمن، عندما قامت القوات المسلحة الصينية بهجوم عنيف وإطلاق نار على تجمع حاشد لمتظاهرين مطالبين بالديموقراطية. لذلك تبقى بيلوسي حتى اليوم من أشد المنتقدين للنظام الشيوعي في الصين.

ولدت بيلوسي لأب كان منتمياً إلى الحزب الديموقراطي، وهو رئيس سابق لبلدية بالتيمور، كما كان عضواً في الكونغرس عن ماريلاند ويدعى توماس دياليساندرو جونيور. أمّا والدتها فكانت أيضاً مساهمة في النشاط النسائي في الحزب الديموقراطي، ولاحقاً أصبح شقيقها توماس داليساندرو، عمدة بالتيمور خلال الفترة بين العامين 1967 و1971.

بدأت انخراطها السياسي في العام 1976، وعملت في حملات دعائية وساعدت حاكم كاليفورنيا جيري براون في الفوز بالانتخابات التمهيدية خلال ترشحه لمنصب الرئيس. وساهمت في جمع التبرعات للحزب الديموقراطي في ولاية كاليفورنيا، بعد تدرجها في صفوفه قبل أن تصبح رئيسة له. وفازت في العام 1987 بمقعد عضوية الكونغرس، ومثلت مقاطعات سان فرانسيسكو في الكونغرس، لتشق طريقها لاحقاً داخل مجلس النواب.

في العام 2003 أصبحت زعيمة الأقلية المعارضة داخل مجلس النواب، الذي كان الجمهوريون يسيطرون عليه، وكانت أول امرأة تقود أحد الحزبين المتنافسين. وفي العام 2007 انتخبت بيلوسي رئيسة للمجلس خلفاً للجمهوري دينيس هاسترت، لتصبح أول سيدة تتولى هذا المنصب في تاريخ الولايات المتحدة. وعقب صعود حزبها في انتخابات 2018 واستعادته السيطرة على مجلس النواب، انتخبت بيلوسي في 2019 رئيسة للمجلس في ولاية ثانية. وبعد خسارة الرئيس دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية عام 2020 لصالح الرئيس الحالي جو بايدن، انتخبت بيلوسي في العام 2021 رئيسة لمجلس النواب للمرة الثالثة.

لعبت دوراً فاعلاً في إصدار قوانين مهمة عديدة، منها قانون الرعاية الصحية الذي يعرف باسم “أوباما كير”، وقانون الإعفاء الضريبي لعام 2010. وعلى الرغم من تراجع شعبيتها مع استمرار معاناة الاقتصاد الأميركي والفشل المتكرر لحزبها في عدّة انتخابات، استمرت في منصبها وانتخبت زعيمة للأقلية.

عرفت بيلوسي بأنها من أشد المعارضين لحرب العراق في العام 2003 ولكل من الرئيس جورج دبليو بوش ودونالد ترامب، إذ عارضت محاولة إدارة بوش خصخصة الضمان الاجتماعي جزئياً عام 2005، وكانت من أشد المعارضين لخطة ترامب، في بناء جدار على حدود بلاده مع المكسيك، واتسمت علاقتهما بالتوتر، فيما بادرت بصورة متكررة الى إجراءات عزله.

هذه هي المرأة التي هزت العالم… بمواقفها ومبادئها وتصرفاتها منذ اليوم الأول لإنخراطها في السياسة، كون تأثيرها كبيراً لوجودها في حكم دولة من أعظم دول العالم سياسياً وعسكرياً.

شارك المقال