الانتخابات الرئاسية… استحقاق مطلوب وفراغ موعود 

هيام طوق
هيام طوق

في ظل الأزمات المتتالية التي يعيشها اللبنانيون، والشلل على المستويات كافة، أصبحت الانتخابات الرئاسية الموعد المنتظر من الداخل والخارج حتى أن عدداً كبيراً من السياسيين والمراقبين يضع مصير البلد بين يدي الرئيس الجديد، فإذا أتى على قدر الآمال وانتشل البلد من جهنم ووضعه على سكة التعافي، يكون حصل خيراً، وتتنفس الناس الصعداء بعد أكثر من ثلاث سنوات من الفقر والقهر والذل والجوع، أما اذا كان الرئيس لا يحمل المواصفات التي تقتضيها المرحلة، فيكون على الدنيا السلام لأننا وصلنا الى مرحلة الانهيار التام وأي دعسة ناقصة من الآن وصاعداً ستكون تداعياتها مدمرة، كما يقول أحد السياسيين لـ “لبنان الكبير”.

وبعيداً عن التأويلات والتحليلات المتناقضة التي منها ما يشير الى أن رئيس الجمهورية يتم الاتفاق عليه في الخارج وينتخب في البرلمان، ومنها ما يرى أن للخارج تأثيراً محدوداً في هذا الاطار، فإن معظم المراقبين يتخوف من فراغ رئاسي بمعنى أنه لن يتم انتخاب رئيس جديد في المهلة الدستورية التي تبدأ في الأول من أيلول أي قبل شهرين من انتهاء ولاية العهد الحالي في 31 تشرين الأول، انما سيحصل فراغ في سدة الرئاسة الأولى لكن لفترة قليلة قد لا تتعدى الشهرين أو الثلاثة لاعتبارات داخلية وخارجية خصوصاً في ظل التطورات المتسارعة التي تشهدها المنطقة .

وعلى مسافة أقل من 25 يوماً من بدء المهلة الدستورية لانتخاب رئيس، لا يبدو أن هناك أي مرشح جدي وفعلي حتى أن القوى السياسية أكانت معارضة أو موالاة لم تتبنّ أي شخصية لترشيحها على الرغم من أن الملف الرئاسي يطرح وبقوة في الكواليس السياسية الخاصة بكل جهة. وبحسب مصادر مطلعة، فإن تصريحات الرؤساء الثلاثة وبعض الفاعليات تؤشر الى أن لا رئيس جديداً في القصر الجمهوري في الأول من تشرين الثاني. على سبيل المثال، فإن رئيس الجمهورية ميشال عون قال: “ان هذا الإنجاز الوطني لا يتحقق الا اذا تحمل مجلس النواب الجديد، رئيساً واعضاءً، مسؤولياته في اختيار من يجد فيه اللبنانيون الشخصية والمواصفات الملائمة لتحمل هذه المسؤولية. وآمل ألا يكون مصير الانتخابات الرئاسية مماثلاً لمصير تشكيل الحكومة الجديدة”. أما رئيس مجلس النواب نبيه بري فأعلن أنه لن يدعو إلى عقد جلسة لانتخاب رئيس جديد للبلاد “حتى يقر المجلس إصلاحات تمثل شروطاً مسبقة لبرنامج الإنقاذ من صندوق النقد الدولي”. فيما اعتبر رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أن “انتخابات رئاسة الجمهورية قد تتأخر ولكنها ستحصل”، بينما أعرب البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي عن خشيته من أنه “إذا عجزت القوى السياسية عن التشكيل، فستعجز غداً عن انتخاب رئيس للجمهورية”.

كلها تصريحات تفتح الباب أمام العديد من التساؤلات، وفي مقدمها: هل كلام أرفع المسؤولين في الدولة مقدمة للفراغ أو أنه يصب في خانة الحث على انتخاب رئيس في المهلة الدستورية بعيداً عن التعطيل والتأجيل؟ ولماذا الحديث عن فراغ لأشهر قليلة؟

هذا الاستحقاق دستوري ويجب أن يتم في موعده، بحسب النائب محمد خواجة، الذي يقول: “أمامنا شهران الى 31 تشرين الأول، ورئيس المجلس يدعو الى جلسة في توقيت هو يحدده خلال هذه الفترة بحيث أن المجلس يتحول في الأيام العشرة الأخيرة التي تسبق 31 تشرين الأول الى حالة انعقاد فقط لانتخاب رئيس. لا مجال ألا يكون هناك رئيس جديد بعد نهاية العهد الحالي. ماذا يعني عدم انتخاب رئيس جديد، ونحن في قعر الهاوية؟ أين نصبح حينها؟ البلد يحتاج الى رئيس وكل الأطراف تؤكد على ضرورة انتخابه على الرغم من التحليلات التي تقول عكس ذلك”.

القاعدة هي انتخاب رئيس وغير ذلك يكون شاذاً عن القاعدة، يؤكد خواجة، متسائلاً: “من يقول انه في حال ذهبنا الى الفراغ يمكن أن يكون لشهرين أو ثلاثة؟ بناء على أي معطيات يتم تحديد مدة الفراغ؟”. ويشدد على “أننا نريد رئيساً جديداً اصلاحياً ومختلفاً ولديه رؤية كي ينهض بالبلد بالتعاون مع المؤسسات الدستورية الأخرى”، مشيراً الى أن “أمامنا مهمة تشريعية ملحة ومجموعة قوانين اصلاحية مطلوبة للداخل والخارج يجب إقرارها، ومنها الموازنة التي يجب أن تقر في شهر آب مع العلم أن اللجان تعمل كخلية نحل في المجلس لاقرار القوانين الموجودة وذات الطابع الاصلاحي”.

المنظومة الحاكمة لديها نية بالاستمرار في السيطرة على البلد، ولا تؤمن بالديموقراطية وبالقرار الحر للمواطن، لذلك، تفرض دائماً الأمر الواقع بطريقة أو بأخرى، بحسب ما يقول النائب فادي كرم، مذكراً بأن “ما حصل في الانتخابات الرئاسية السابقة خير دليل، اذ شلّوا البلد على مدى سنتين ونصف السنة. واليوم، يستخدمون الاسلوب عينه في تأليف الحكومات وتسمية رؤساء الحكومات، ومن المتوقع أن يلجأوا الى النهج نفسه خلال الانتخابات الرئاسية المقبلة في ضوء المعلومات التي تقول انهم غير متفقين على اسم مرشح، وهم خائفون من الانتخابات الرئاسية التي في حال جرت بطريقة صحيحة أن تؤدي الى وصول رئيس يقف في وجه ممارساتهم”.

ويسأل كرم: “من يدري اذا دخلنا في فراغ ألا يمتد لسنوات؟”، مؤكداً “أننا سنسعى بالطرق القانونية الى ايصال رئيس جمهورية ينقذ البلد ولا يكون منتمياً الى المحور الايراني لأن ذلك يعني النهاية”.

اما النائب أسعد درغام فيعتبر أن “الخوف من الفراغ يكون مشروعاً، في ظل انقسام المجلس النيابي والكتل المتعددة، ولكن هناك ارادة لدى كل الفرقاء السياسيين بأن يتم الاستحقاق الرئاسي في موعده، والاتجاه نحو اجراء انتخاب رئيس جديد لأن الوضع سيكون كارثياً في ظل وجود حكومة تصريف أعمال وفراغ على المستوى الرئاسي”، لافتاً الى أن “من الواضح اليوم أن ليس هناك أي فريق يمكنه وحده تأمين وصول شخصية لرئاسة الجمهورية، وبالتالي، فإن المشاورات ضرورية للوصول الى التوافق على رئيس انقاذي يكون له تمثيله النيابي وتمثيل داخل طائفته، والأهم أن يجمع البلد على مشروع انقاذي ويتمتع بحنكة سياسية وخبرة”.

شارك المقال