ترحيل اللاجئين قسراً… رغبة شيطانية أم حاجة ضرورية؟

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

“كل ما دق الكوز بالجرة”، يعود الحديث عن اللاجئين وتكثر دعوات أهل الذمة إلى المطالبة بعودتهم، والتخويف من وجودهم في لبنان وتحميلهم مسؤولية الأزمات التي تولدها سلطة الفساد والقهر وأطماع الصهر وسياسات حزب الــ100 ألف صاروخ، وصراعات قوى السلطة على التقاسم والمحاصصة، وهو ما يذكرنا بفزاعة توطين الفلسطينيين التي كانت تستخدم للابتزاز والضغوط، لتبقى المشكلات قائمة من دون علاج. إلا أن التصريحات التي تؤجج التوتر تستمر لتزيد من شرخ التباينات في المواقف وعدم إتخاذ قرارات منطقية تحفظ ماء وجه لبنان مع اللاجئين الذين اضطرهم نظام الأسد الى ترك كل شيء والهرب من بطشه وإجرامه، ومع المجتمع الدولي والأمم المتحدة اللذين يقدمان لهم المساعدات ويعينان لبنان في طريقهما.

ملف اللاجئين السوريين تحرك من جديد من قصر بعبدا، حيث بحثه رئيس الجمهورية ميشال عون مع وزيري الخارجية والمغتربين والشؤون الاجتماعية في حكومة تصريف الأعمال عبد الله بو حبيب وهيكتور حجار، وحسب ما تردد “تم التوافق مع الرئيس عون على نقاط عدة على صلة بخطة عودة النازحين السوريين الى بلادهم والتواصل مع سوريا قائم ولم ينقطع يوماً”. وكان مستغرباً الحديث عن ذلك كونه ناقض ما قاله بو حبيب قبل يوم بأن “بلادهم لن تطلبهم”، متسائلاً “هل تطلب الدول من مواطنيها العودة إليها حين يرفدون الاقتصاد بالعملة الصعبة؟”.

من الواضح أن لا احد في العالم مشغول بالملف، وليست هناك نية لاعادة اللاجئين طالما لا توجد خطة للحل في سوريا، وإن حصلت عبر المفاوضات سيكون ملف العودة من ضمن الخطط التي سيتفق عليها. ولكن طالما أن النظام مستمر في القيام باعتقال العائدين والتحقيق معهم في الفروع الأمنية مما يعرضهم للخطر لا تبدو طرق العودة سالكة.

وعلى عكس موقف بو حبيب كان المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم أعلن أن لبنان قدم عرضاً لعودة آمنة للاجئين الا أنه رفض دولياً، وهو ما يعكس الارباك الرسمي وتباين المواقف التي تجعل المجتمع الدولي يشكك بنوايا لبنان ولا يتفاعل مع نغمات “النق”.

وأزمة اللاجئين السوريين ليست جديدة، والخلافات حولها قائمة منذ التدفق الكبير في نيسان ٢٠١١، وكان للإنقسام السياسي داخل الحكومة انعكاساً على الملف، فمعارضو النظام السوري في لبنان كانوا يطالبون بحمايتهم وحسن استضافتهم، فيما كان الطرف المقابل يعارض ذلك ويعمل مع بعض الأجهزة الأمنية والعسكرية على اضطهادهم وشيطنة بيئتهم ويعلّق عليها كل مشكلات البلد. لكن بعد حسم الحرب في سوريا ضد المطالبين بالحرية والكرامة، والتسوية السياسية لصالح محور إيران والنظام السوري، بدأ الحديث عن مشكلة اقتصادية واجتماعية تستوجب الحل سببها اللاجئون، وانعكس ذلك بصورة سلبية على أمنهم في لبنان، بحيث زادت الاعتداءات العنصرية والاعتقالات العشوائية وقضى عدد من الموقوفين تحت التعذيب وجرى تسليم بعضهم الى النظام السوري من دون أي اعتراض، وبدا التغيير واضحاً في العهد القوي، فالأطراف السياسية التي أوصلت لبنان الى الإفلاس والانهيار علقت أزماتها على كاهل اللاجئين.

وبحسب متابعين لهذا الملف “كان بارزاً أن الحكومات المتعاقبة تقوم بصورة دورية بإبتزاز المجتمع الدولي لا سيما الجانب الأوروبي القلق من تدفق اللاجئين والمهاجرين الاقتصاديين الى سواحل أوروبا. فكلما كانت الضغوط الدولية تزداد على هذه المنظومة، يبدأ السياسيون اللبنانيون بإثارة موضوع اللاجئين السوريين وأثر هذا اللجوء على الوضع الاقتصادي، فتقوم دول الاتحاد الأوروبي بإرسال المساعدات المالية الى لبنان حيث يذهب جزء كبير منها الى الحكومة. كما تكثر الخطابات العنصرية لتضليل الرأي العام اللبناني، وغالباً ما يكون تأثير ذلك خطيراً على مجتمع اللاجئين، فعدد كبير من هؤلاء فقد حياته بسبب أعمال التحريض العنصرية والشائعات، ولم يتحرك الأمن والقضاء لمحاسبة المرتكبين”.

ولا يشكك هؤلاء بأن “المجتمع اللبناني المضيف للاجئين كان في بداية أشهر اللجوء مجتمعاً متآخياً معهم”، مشيرين الى أن “العائلات السورية كانت تقيم عند العائلات اللبنانية في منازلها، لكن الأمر تغير بعد أشهر فالمجتمعات اللبنانية التي استضافت اللاجئين كانت تشترك معهم في العداء للنظام السوري، وتعاني حرماناً من خدمات الدولة اللبنانية مثل عكار وطرابلس وعرسال وسائر قرى البقاع واقليم الخروب، وعلى الرغم من العبء الاقتصادي بقيت هذه البلدات تتقاسم البؤس مع الضيوف، وفي أحيان كثيرة تقاسمت معهم الدم وعرسال أفضل مثال حيث دفع المدنيون اللبنانيون والسوريون أثماناً كبيرة”.

ويوضح المتابعون أن “واجب حكومة البلد المضيف تقديم الحماية بالدرجة الأولى للاجئين وحفظ كرامتهم الى حين عودتهم الآمنة الى بلدهم، لكن ما يجري هو عكس ذلك تماماً. فالمجتمع الدولي لا يستطيع ولا يرغب في زيادة الضغوط على الحكومات اللبنانية حتى لا يضطر الى استضافة أعداد كبيرة منهم، ولذا تعمل السلطات اللبنانية على تسهيل هجرتهم بطرق شرعية أو غير شرعية. كما أن قسم الحماية في المفوضية العليا لشؤون اللاجئين معطّلة وعديمة الجدوى”.

كان من الواضح أن مشاركة “حزب الله” في الحرب السورية تسببت بأزمة، فمن غير المعروف متى يخرج من سوريا، لأن القرار إيراني بالدرجة الأولى، ولا يمكن أن يتخذ هكذا قرار بمعزل عن ضغوط جدية تلزم إيران بإخراج ميليشياتها من سوريا. ويقول المتابعون: “ان سيطرة ميليشيا حزب الله اليوم هي على كامل المناطق السورية المتاخمة للبنان. وقد عمل على تدمير هذه البلدات القريبة من لبنان، كما حصل في الزبداني ومضايا وأحياء حمص وأحدث مراكز وثكنات عسكرية ومخازن ومعامل للمخدرات، كما هي الحال في القصير وجوارها. كما أن مقاتلين من الحزب قاموا أثناء الحصار التجويعي الذي استهدف الزبداني ووادي بردى ومضايا بمبادلة عقارات مع السكان بصورة غير قانونية، الغذاء مقابل المال والخروج مقابل التنازل عن العقار والمنزل”.

ويرى هؤلاء أن “من المستحيل وقف تصنيع وتهريب المخدرات والبشر وغيرها بالحوار مع النظام السوري، فهذا النظام شريك فاعل في تحويل سوريا الى دولة مصدرة للمخدرات، ويستثمر في ذلك من أجل التطبيع الأمني مع الدول التي تعاني من هذه الآفة ويعمل على تمويل أذرعه بعد الحصار الدولي الذي تعرض له بسبب اقترافه جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية”.

ويشددون على أن “التصدي لهذه الأنشطة يكون من خلال نشر قوات دولية على كامل الحدود بين لبنان وسوريا تحت الفصل السابع، وعدم الاعتماد على الأجهزة الأمنية اللبنانية التي يتعاون بعضها مع ميليشيا حزب الله والنظام السوري بصورة واضحة تحت عناوين متعددة”.

شارك المقال