روسيا وتركيا: “أحبك وأنا لا أحبك أيضا”

حسناء بو حرفوش

في الوقت الذي تواصل فيه روسيا وتركيا توسيع شبكة العلاقات الاقتصادية، يستمر الخلاف الجيوسياسي بين البلدين على الأغلب، لكن براغماتية العلاقة تظهر حاليا أنه على الرغم من الخلافات التي تفرق بين الاثنين، يحتاج كل منهما للآخر، حسب تحليل للكاتب الصربي المتخصص بالشؤون الروسية والبيلاروسية والأوكرانية، نيكولا ميكوفيتش.

ووفقا لميكوفيتش، “على الرغم من الغزو الأوكراني والتوترات المتزايدة بين أرمينيا وأذربيجان، تحظى مصالح الطاقة لموسكو وأنقرة على ما يبدو بالأولوية مقارنة بالأهداف الجيوسياسية المختلفة للبلدين في أماكن مثل سوريا ومنطقة البحر الأسود وجنوب القوقاز. وعلى الرغم من أنهما على طرفي نقيض في نزاعات مختلفة بالوكالة في جميع أنحاء العالم، تواصل كل من روسيا وتركيا زيادة تعاونهما الاقتصادي. و يلتزم كلا البلدين بالحفاظ على شراكتهما الاقتصادية حتى مع تصاعد التوترات في المناطق التي تتنافس فيها مصالح روسيا وتركيا.

كما تواظب روسيا على أعمالها مع تركيا على الرغم من العقوبات التي فرضها الغرب على الاتحاد الروسي بسبب أفعاله في أوكرانيا. وتقدّر مصادر روسية حجم التجارة بين روسيا وتركيا عام 2021 بنحو 35 مليار دولار وهو رقم يتوقع أن ينمو إلى 50-60 مليار دولار في 2022. وفي الوقت عينه، وفي ظل أزمة الغاز الأوروبية، لا يزال خط أنابيب الغاز الطبيعي ترك ستريم، الذي يربط روسيا وتركيا عبر البحر الأسود، الوحيد الذي يستمر بتوفير الغاز لأوروبا بشكل لا تشوبه شائبة. وفي حين أن قدرة ترك ستريم أقل من نورد ستريم 1 (31.5 مليار متر مكعب مقارنة بـ55 مليار متر مكعب)، إلا أنها تظل كبيرة، خصوصا بعد أن خفضت روسيا حجم الغاز الطبيعي الذي ترسله إلى أوروبا عبر خط أنابيب نورد ستريم 1.

وخلال القمة الأخيرة بين الزعيمين الروسي والتركي التي عقدت في 5 آب، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لنظيره التركي رجب طيب أردوغان أن الأوروبيين يجب أن يشعروا بالامتنان لتركيا لضمان النقل غير المنقطع للغاز الروسي إلى الأسواق الأوروبية. وتشير التقارير إلى أن بوتين واردوغان اتفقا على أن تبدأ أنقرة بسداد مدفوعات الغاز الطبيعي الروسي بالروبل. وفي عام 2021، أمّنت روسيا ربع واردات تركيا من النفط تقريبا وما يقرب من نصف مشترياتها من الغاز الطبيعي. لذلك، ليس من المستغرب أن ترفض أنقرة الانضمام إلى العقوبات المناهضة لروسيا وتحاول موازنة تحالفها في الناتو مع علاقاتها الاقتصادية مع موسكو.

عداوة تاريخية وحروب بالوكالة

ومع ذلك، هذا لا يعني أن تركيا ترى روسيا كدولة صديقة. في الواقع، ليست الدولتان صديقتين ولا حليفتين، مع الإشارة إلى العداوة التاريخية التي تفرقهما مع خوض عدة حروب. واليوم، ينخرط البلدان في نزاعين بالوكالة على الأقل: في سوريا، حيث تدعم روسيا الرئيس بشار الأسد، وتدعم تركيا فصائل معارضة مختلفة شمال البلاد، وأيضًا في ليبيا حيث الجيش الوطني الليبي الذي ترعاه روسيا يقاتل حكومة الوفاق الوطني المدعومة من أنقرة. وبالمثل، في منطقة جنوب القوقاز، حيث خاضت أذربيجان وأرمينيا حربًا استمرت 44 يومًا في منطقة ناغورنو كاراباخ الجبلية. وتدعم تركيا بشكل علني باكو في حين أن الكرملين لديه تحالف اسمي مع يريفان من خلال منظمة معاهدة الأمن الجماعي. وبالنظر إلى أن التوتر في ناغورنو كاراباخ قد تصاعد مؤخرًا، من المحتمل جدًا أن تُدرج العلاقات بين أرمينيا وأذربيجان على جدول أعمال قمة سوتشي.

وفي حين أن التوترات المتزايدة في كل من سوريا وجنوب القوقاز قد تسبب مشاكل للشراكة الروسية التركية، قد توفر هاتين النقطتين أيضًا فرصة للبلدين لإيجاد مساحة لاستمرار المفاوضات. في سوريا، تحتاج تركيا للضوء الأخضر الروسي لشن “عمليتها العسكرية الخاصة” ضد الأكراد شمال البلاد. ومع ذلك، تواصل القوات الروسية تعزيز وجودها في المنطقة ودعا الكرملين أنقرة مرارًا إلى عدم شن غزو لشمال سوريا. وبالنسبة لموسكو، يتمثل التحدي في أن أنقرة تزيد بشكل كبير من نفوذها في منطقة جنوب القوقاز. ولا يزال لدى روسيا حوالي 2000 جندي حفظ سلام في ناغورنو كاراباخ، لكنها أثبتت عدم قدرتها على منع أذربيجان من الاستيلاء على أراضٍ إضافية في المنطقة. وقد يعني ذلك أن تركيا قادرة على استخدام نفوذ باكو على يريفان للضغط على موسكو لتقديم تنازلات لأنقرة. وستظهر الأسابيع المقبلة ما إذا كان بوتين وإردوغان قد توصلا لاتفاق.

وبالتزامن، تواصل تركيا، بوصفها عضوًا في الناتو، دعم وتسليح أوكرانيا بينما تغض موسكو الطرف إذ أن مصالح الطاقة ذات أهمية قصوى للكرملين، وبالتالي لن تسمح روسيا بتدهور العلاقات مع أنقرة. وتدرك تركيا ذلك تمامًا، وتسعى لتصوير نفسها على أنها وسيط في الصراع الروسي الأوكراني وزيادة نفوذها في منطقة البحر الأسود. حتى أن بوتين اعترف بمساهمة اردوغان المباشرة، في حل المشكلة المتعلقة بتوريد الحبوب الأوكرانية من موانئ البحر الأسود.

علاوة على ذلك، تملك تركيا فرصة للاستفادة من صفقة الحبوب التي توصلت إليها روسيا وأوكرانيا في إسطنبول في 22 تموز. وقد أعربت الشركات التركية بالفعل عن استعدادها لمعالجة الحبوب الروسية والأوكرانية وبيعها إلى أجزاء أخرى من البلاد والعالم. كما ستتمكن تركيا حاليا من شراء الحبوب من أوكرانيا والاتحاد الروسي بأسعار منخفضة، مما ينعكس إيجابًا على الاقتصاد التركي المتضرر من التضخم. وكل هذه الحوافز الاقتصادية تؤكد أقله في المستقبل المنظور، على أن العلاقات الروسية التركية ستبقى ديناميكية وعملية قدر الإمكان”.

شارك المقال