أوكرانيا: علامات استفهام حول الموقف الألماني

حسناء بو حرفوش

على الرغم من مرور شهور على المحادثات وتعدد السيناريوهات حول المساعدات العسكرية لأوكرانيا من دول مثل بولندا وسلوفاكيا وجمهورية التشيك، يستمر الغموض المحيط بالموقف الألماني خصوصاً في ما يتعلق بنقل الأسلحة والمساعدات لكييف. ويطرح هذا الوضع تساؤلاً حول تكيف ألمانيا مع الوضع الأمني الخطير في أوروبا والتزامها بالوعود تجاه أوكرانيا، حسب مقال في موقع مجلة “فورين أفيرز” الأميركية.

ووفقاً للمقال، “تعهدت ألمانيا مطلع الربيع الماضي، بتقديم أسلحة ثقيلة مباشرة إلى كييف، ولكن في أواخر تموز، لم يسلّم سوى عدد قليل منها. وأصبح نمط الوعود التي لا تترافق مع التنفيذ، موضع نقاش دائم بالنسبة الى صانعي السياسة في واشنطن وبروكسل. وتعاني ألمانيا بالفعل من أزمة ثقة مع العديد من الحلفاء الأوروبيين بسبب علاقتها الوثيقة بموسكو، ورفضها تعليق مشروع خط أنابيب الغاز نورد ستريم 2 حتى أيام قليلة قبل بدء الغزو الروسي.

ويصب إنهاء الحرب في مصلحة البلدان الأوروبية ومنها ألمانيا التي يمنحها موقعها في زعامة مجموعة السبع الفرصة للقيادة بشأن التحديات الأمنية الأوسع التي يواجهها الاتحاد الأوروبي وللمساعدة في معالجة الانقسام المتزايد مع الجنوب العالمي واستعادة مصداقية النظام الذي يقوده الغرب. ولذلك على ألمانيا اغتنام الفرص وتخطي امتعاض البلاد من استخدام القوة العسكرية والمقاومة العميقة للتغيير، وإلا لن تقوّض مكانتها في أوروبا وحسب، بل سيضعف التحالف الغربي في مواجهة تحديات عالمية غير مسبوقة.

وفي بداية الحرب الروسية في أوكرانيا، أتى الرد الألماني قوياً بصورة ملحوظة، فبعد أيام قليلة من بدئها، فاجأ المستشار الألماني أولاف شولتس حتى حزبه بإعلانه أن هذه الحرب الجديدة في أوروبا تمثل نهاية حقبة، مشيراً إلى تغييرات مهمة في السياسة وإجراءات غير مسبوقة، بما في ذلك تسليم أسلحة إلى أوكرانيا و100 مليار يورو في الإنفاق الدفاعي الإضافي. ومع ذلك، ثبت أن وضع هذه السياسات الجريئة موضع التنفيذ أكثر صعوبة بكثير. ومن أسباب ذلك، اعتماد تحالف شولتس الثلاثي على دعم الأحزاب الديموقراطية الخضراء والحرة وكذلك على حزبه الاشتراكي الديموقراطي. كما أن هناك عدداً من المخاوف الأمنية وراء الهواجس الألمانية حول الانخراط الأكبر في أوكرانيا. الأمر الأكثر وضوحاً هو خطر التصعيد العسكري من روسيا، بما في ذلك استخدام الأسلحة النووية والكيميائية. وأصبحت عبارة “عدم مشاركة الناتو” شعاراً شائعاً في برلين وكذلك بين الدول الغربية الأخرى التي تدعم أوكرانيا.

ولم تواجه أي دولة أوروبية أخرى كما ألمانيا، مثل هذا التحول بعيد المدى في السياسة. ويبقى سؤالان بلا إجابة: الأول، هل تتسامح روسيا مثلاً مع تسليم المدفعية والذخيرة ولكن ليس الطائرات الحربية أو الدبابات الغربية الرئيسة؟ إذا كان مثل هذا الخط موجوداً، فيجب على ألمانيا وحلفائها الغربيين الاستعداد للعواقب، بحيث قد تسعى روسيا الى الرد ضد واحدة أو أكثر من دول البلطيق أو، بدلاً من ذلك، قد تهاجم قوافل الأسلحة الغربية المتجهة إلى أوكرانيا بينما لا تزال على أراضي الناتو. ومع ذلك، إذا تمكنت أوكرانيا من إخراج القوات الروسية من منطقة دونباس في ما قد يرقى إلى هزيمة روسية مذلة، يتساءل بعض المحللين الألمان عن لجوء روسيا الى الرد بصورة يائسة وحتى أكثر وحشية.

أما المسألة الثانية فتتعلق بحالة الجيش الألماني. عندما بدأت الحرب، كان لدى ألمانيا بالفعل نقص في المعدات العسكرية التي يمكن تسليمها بسهولة إلى أوكرانيا، كما بدت حكومتها غالباً غير حاسمة، مما أدى إلى تأخيرات كبيرة في إيصال المساعدات العسكرية والأسلحة الثقيلة على وجه الخصوص.

وفي غضون ذلك، أصبح اعتماد ألمانيا المستمر على واردات الغاز الروسي نقطة خلاف متنامية بينها وبين بعض حلفائها الأوروبيين. ومن الواضح الآن أن الكرملين سيستخدم هذا الاعتماد ضد ألمانيا والدول الأخرى عند الضرورة. لذلك يجب على الحكومة الألمانية أن تضع الاستقلال عن الغاز الروسي على رأس أولوياتها، فكلما قل الغاز الذي تشتريه من روسيا، وكلما انتهت الحرب في وقت مبكر، قل خطر اتهام ألمانيا بأنها مورد رئيس للإيرادات لآلة الكرملين الحربية. لكن الحكومة الألمانية تواجه أيضاً تحدياً خطيراً يتمثل في الارتفاع السريع في أسعار الغاز والتهديد بنقصه مع اقتراب فصل الشتاء.

(…) وعلى الرغم من أن ألمانيا ستستفيد من الإنهاء السريع للحرب، إلا أنها لن تستفيد إذا صدر مثل هذا القرار بإملاءات روسية. لذلك عليها ألا توفر جهداً لدعم أوكرانيا في جهودها لاستعادة مناطق في جنوب البلاد وشرقها. ويجب أن تظهر، إلى جانب الحلفاء الأوروبيين الآخرين، الاستعداد لتقديم المزيد من الأسلحة الثقيلة إلى كييف للمساعدة في توفير الشروط اللازمة لوقف إطلاق النار أو لمباشرة مفاوضات السلام. ولن تبدأ مثل هذه المفاوضات إلا إذا أيقن كل طرف أن كل الخيارات العسكرية قد استنفدت”.

شارك المقال