حكومتا بعبدا والسراي… شعبوية بلا نكهة تنفيذية

هيام طوق
هيام طوق

لم يعد يختلف اثنان على توصيف الوضع المعيشي والحياتي بالكارثي، لكن من يراقب الوضع السياسي أيضاً لا يتردد في وصفه بالغابة التي تسودها الفوضى المتوحشة أو بعصفورية جهنم حيث الكل “يغني على ليلاه”، والبلاد تسير بسرعة قياسية نحو الانحدار والانهيار والانحطاط وصولاً الى الاصطدام والارتطام الكبيرين المتوقعين في أي لحظة.

وفي حين يجمع كثيرون على أن صفحة التأليف الحكومي طُويت الى أجل غير محدد، وأن حظوظ الفراغ في الاستحقاق الرئاسي هي الأقوى، فإن المشهد السياسي يبدو ضبابياً، وملبداً بالفوضى والنزاع على الصلاحيات بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف نجيب ميقاتي، واللقاءات الوزارية خير دليل بحيث تتوزع الاجتماعات بين القصر الجمهوري والسراي الحكومي ما يؤشر الى استفحال الأزمات خلال المرحلة الفاصلة عن انتهاء ولاية العهد وربما الى ما بعدها.

وسط هذا التخبط الداخلي، والشلل على مستوى المؤسسات كافة، والتفكك على مستوى السلطة والتباعد والتناحر والتنافر بين أهل الحكم، يتخوف اللبنانيون من المرحلة المقبلة، ومن تداعيات الأزمات التي لم تجد سبيلاً لحلحلتها، ولا بد من التساؤل: هل أصبح لبنان في غرفة العناية الفائقة حيث الأمل بالشفاء شبه معدوم؟ وهل الكباش على الصلاحيات سيترجم في حكومة تصريف الأعمال وفي قراراتها؟ وهل تنقسم الحكومة الى حكومتين، والى سلطتين غير تنفيذيتين؟ مع تأكيد الدستوريين أن مثل هذه الاجتماعات ليست لها أي فعالية على الصعيد الدستوري لأنها تجري بين وزراء وليس لحكومة مجتمعة، وبالتأكيد لا آلية تنفيذية للقرارات مع العلم أنه لا يمكن اتخاذ أي قرار مهم على الصعيد الاصلاحي ووقف الانهيار في ظل حكومة مستقيلة. وبالتالي، فإن كل ما يجري من اجتماعات ليس سوى تمرير للوقت، وتوظيف للشعبوية على أبواب انتهاء ولاية العهد الحالي.

الوزير والنائب السابق إدمون رزق اعتبر في حديث لـ “لبنان الكبير” أن “ما يحصل من اجتماعات في بعبدا والسراي ليس صراعاً على الصلاحيات انما صراع الجهل لأنه يفتقر الى مقومات المعرفة الحقيقية التي قوامها المحبة. الأفرقاء متباغضون حتى الجهل وجهلة حتى البغضاء”، مشدداً على وجوب “البدء بتغيير ذهنية الناخب لتغيير نوعية النائب وما فوق. النوعية غير مؤهلة لقيادة البلد الذي يحتاج الى انقاذ لا الى من يراكم حجارة فوق القبر. لم تكن في تاريخ لبنان عبثية مطلقة كما يحصل اليوم، وهي ناجمة عن الجهالة وسوء النية. اذا اجتمع ألف شاعر لا يمكن أن يجروا عملية قلب مفتوح. يجب أن نعطي خبزنا للخباز لو أكل نصفه. نحن مبتلون بمسؤولين عندهم شبق السلطة لا معرفة الحكم”.

أما الرئيس السابق لمجلس شورى الدولة القاضي شكري صادر، فرأى أن ما يحصل من اجتماعات في بعبدا والسراي “يعني أولاً، أن لا تشكيل لحكومة جديدة، اذ أن هذا النوع من الطلاق بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، يظهر أن كل طرف فاتح على حسابه، ومستمر على مواقفه. ثانياً، هذا الشرخ، والتصعيد في البيانات، والمستوى في التخاطب بين ميقاتي والتيار الوطني الحر لم نشهده في تاريخ البلد. لكن المهم اليوم، ما هي نتيجة هذه الاجتماعات؟ لا شيء، وليست لها أي فعالية على الصعيد الدستوري لأنها تجري بين وزراء وليس لحكومة مجتمعة”، مؤكداً أن “لا صفة دستورية لهذا النوع من الاجتماعات، ولا آلية تنفيذية للقرارات مع العلم أنه لا يمكن اتخاذ أي قرار مهم على الصعيد الاصلاحي ووقف الانهيار في ظل حكومة مستقيلة. اذاً، كل ما يجري من اجتماعات ليس سوى تمرير للوقت، وما يحز في القلب أن لا أحد مهتم أو يسأل عما يحصل في الجمهورية ومدى الانهيار الحاصل والشرخ الذي يكبر بين المسؤولين، اذ لا يجوز أن تسود هذه القطيعة بين رئيس جمهورية ورئيس حكومة مكلف”.

وأشار الى أن “البلد يسير على قاعدة النكايات المتبادلة. على سبيل المثال لأن الرئيس ميقاتي اقترح الدولار الجمركي، توقف عند رئيس الجمهورية. ليس هناك من حسن نية لدى الأفرقاء في السلطة، ولا يتمتعون بحس الاعتبار للمصلحة العامة، وهذا غريب ومؤسف لأنه عندما يواجه أي بلد أزمة وجودية من هذا النوع يجب أن توضع الخلافات جانباً، وينكب المسؤولون على خطة للانقاذ. لكن ما نراه اليوم يدل على أننا لا نزال نسير نحو الانهيار بسرعة قياسية، ولا أحد مهتم بشؤون الناس على الرغم من الحاجة الملحة الى قرارات جريئة لوقف الانزلاق، والتعامل مع البلد وأهله يتم على طريقة (من بعد حماري ما ينبت حشيش)”.

ولاحظ أن “ما يحصل بين الرئاستين الأولى والثالثة هو انعكاس للخلاف بين الرئيسين في كل المجالات من كيفية تشكيل الحكومة وصلاحيات الرئيس في التشكيل والتأليف. وربما سنستمر في هذا الوضع الشاذ الى حين انتهاء العهد الحالي على أمل أن تحصل عجيبة ما”.

هذا المظهر المنقسم في السلطة التنفيذية ليس سوى تعبير عن حالة الانهدام أو الانهيار السياسي الكبير الحاصل عشية الاستحقاق الرئاسي، بحسب المحلل السياسي الياس الزغبي، الذي اعتبر أن “هناك انشقاقاً فعلياً وواقعياً بين جبهتين: جبهة السراي الحكومي بقيادة الرئيس ميقاتي وجبهة بعبدا بقيادة الرئيس عون وظله أو وريثه. هذا الوضع يشكل المرحلة الأخيرة من الانهيار الذي لا بد أن يؤدي الى أحد الاتجاهين: اما أن هذا الانهيار في السلطة التنفيذية سيتفاقم مع تشبث رئيس الجمهورية بالبقاء في بعبدا بحجة عدم وجود حكومة مكتملة الصلاحيات، وهذا الأمر يفتح الوضع اللبناني على المجهول الكبير، واما أن هذا الاهتراء السياسي سيدفع المعنيين في الخارج وخصوصاً في المجتمع الدولي بين باريس والرياض وواشنطن الى حضانة الوضع اللبناني، وفرض نوع من التسوية السياسية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية يكون من خارج الاصطفاف الموجود أو على الأقل من خارج الحلقة التي تطبق على عنق لبنان منذ 6 سنوات، أي رئاسة جمهورية محسوبة كلياً على محور الممانعة بقيادة ايران وبذراع حزب الله”.

ولفت الى أن “اجتماعات السراي الحكومي أقرب الى الواقعية بمعنى أنها تحاول معالجة ملفات حياتية واجتماعية، أما اجتماعات بعبدا فهي ذات طابع سياسي شعبوي لأنها تحاول أن تعالج مسائل غير قابلة للعلاج الا في حال وحدة وطنية كاملة واحتضان دولي كامل مثل مسألة النزوح السوري. لذلك، فإن المقارنة بين الحالتين في السراي وبعبدا، هي لمصلحة اجتماعات السراي التي تحاول أن تحاكي وجع الناس بالحد الأدنى الممكن، أما اجتماعات بعبدا فهي ذات خلفية سياسية توظيفية لمسألة النزوح وغير ذلك من الملفات غير القابلة للحل حالياً، وذلك بهدف تسجيل نقاط في السياسة قبل اقتراب موعد الاستحقاق الدستوري بعد 20 يوماً”.

شارك المقال