أوكرانيا: هوية المنتصرين والخاسرين واضحة بالفعل

حسناء بو حرفوش

على الرغم من استمرار الأعمال القتالية، لا يخفى على أحد أن الناتو والأجندة الأميركية وشركات الأسلحة الغربية هي التي أبلت بلاءً حسناً، حسب قراءة في موقع “مورنينغ ستار” البريطاني. ووفقاً للمقال، “أما من خسر وعانى، فهما الشعبان الأوكراني والروسي. وبالنسبة الى صانعي الأسلحة، تمثل هذه الحرب هدية من السماء. وبناء على طلب حلف الناتو، ستزيد الدول الأوروبية من جهود التسلح بمئات المليارات من الدولارات في السنوات المقبلة. أما في أوروبا الوسطى، فيمكن توقع سباق تسلح جديد، بمجرد التفكير في التهديد بنشر أسلحة نووية في بيلاروسيا.

وينسحب ذلك على منطقة القطب الشمالي، حيث يهدد الوضع نفسه بدخول فنلندا والسويد إلى حلف الأطلسي. وقد يؤدي الضغط من أجل ما يسمى بـ “الناتو العالمي” أيضاً إلى سباق تسلح جديد وخطير في آسيا. وتدفع هذه العسكرة والتهديدات الجديدة بالحرب حصص شركات الدفاع في الولايات المتحدة الى الارتفاع بصورة صاروخية. كما ينطبق الشيء نفسه على شركات الوقود الأحفوري الكبرى، حيث أدى الارتفاع غير المسبوق في أسعار الغاز والبترول إلى زيادة الأرباح بنسبة 350%.

ومن ضمن الفائزين أيضاً، حلف الناتو نفسه. فبعد سقوط الاتحاد السوفياتي، لم يعد الدافع وراء التحالف قائماً. وفي عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، أعلن التحالف ميتاً دماغياً. أما اليوم، وعلى الرغم من ذلك فيبدو بخير ويعمل بنشاط. ففي أوروبا، انضم عضوان جديدان الى الحلف وزادت القوات القتالية العملياتية من 40.000 إلى 300.000. أما في آسيا وفي قارات أخرى، فيجري التوسع، إما من خلال شراكات جديدة أو عن طريق زيادة الوجود العسكري الحالي. وعلى مدى ربع القرن الماضي، شن الناتو حروباً ضد يوغوسلافيا وأفغانستان والعراق وليبيا وسوريا، مما أسفر عن مقتل ما يقرب من مليون شخص.

وعلى لائحة الفائزين تبرز الولايات المتحدة بقوة. وقبل 25 عاماً، كتب مستشار العديد من الرؤساء الأميركيين، زبيغنيو بريجنسكي، أنه بالنسبة الى الولايات المتحدة، كانت السيطرة على القارة الأوراسية ضرورية للحفاظ على الهيمنة. وكان لا بد من إحباط التعاون الوثيق بين أوروبا وروسيا والصين بأي ثمن، وعلى مدى العقد الماضي، نمت العلاقات الاقتصادية القوية بينها. وتعكس هذه الحرب اليوم هذا الاتجاه، كما يتم استهداف الصين. وقد دعت السياسية البريطانية ليز تراس إلى “ناتو إقتصادي” لعزل الصين وروسيا عن الاقتصادات الغربية.

ولكن ماذا عن الخاسرين؟ لا شك في أن الأوكرانيين هم أكبر الخاسرين، بحيث قتل وجرح الآلاف منهم بالإضافة إلى فرار الملايين من البلاد، وإنحدار أوكرانيا نحو الإفلاس الكامل. وفقد آلاف الجنود الروس حياتهم بينما يعاني السكان في الوطن من العقوبات الغربية والقمع المتزايد الذي تمارسه الدولة. كما أضرت هذه الحرب خصوصاً بنظام الغذاء العالمي، الذي أضعف بالفعل بصورة خطيرة بسبب جائحة كورونا وتغير المناخ وارتفاع أسعار الطاقة. ووفقاً لبرنامج الغذاء العالمي، يواجه حوالي 50 مليون شخص في 45 دولة المجاعة.

كما تأثر سكان أوروبا بارتفاع غير متناسب في أسعار الغذاء والطاقة. وهذا الوضع الجديد لن يتسبب بالكثير من البؤس فحسب، بل سيزيد أيضاً من احتمالية حدوث ركود اقتصادي. كما تعرضت هيبة أوروبا لضربة قوية بين نسبة كبيرة من الدول غير الغربية التي لا تستطيع أن تفهم كيف تخلى الاتحاد الأوروبي عن سيادته بالكامل للولايات المتحدة وبريطانيا. أما الخاسر الرئيس الآخر فهو استقرار العالم. مع صعود الصين والدول الناشئة الأخرى، بدا أننا نتجه نحو عالم متعدد الأقطاب، يفترض أنه تطور إيجابي، لكن العالم يتجه الآن نحو الانقسام إلى معسكرين: كتلة يهيمن عليها الغرب ضد بقية العالم. وتجدر الإشارة إلى أن ربع دول العالم فقط أبدت استعدادها لدعم العقوبات ضد روسيا. كما عرّضت الحرب اتخاذ الإجراءات العاجلة ضد ظاهرة الاحتباس الحراري، للخطر.

أخيراً، وكما في سياق كل الحروب، تبقى الحقيقة الضحية الأولى. وتقدم وسائل الإعلام الغربية السائدة نسخة الناتو للأحداث، في حين أن الأصوات المعارضة لحركة السلام أو بعض الأكاديميين تسمع بالكاد. وتبقى الحاجة ماسة الى جبهة عريضة بين حركة السلام والعالم الثالث والحركات العمالية والبيئية لوقف جنون هذه الحرب”.

شارك المقال