دولار صيف العهد الأخير

هدى علاء الدين

على وقع ارتفاع الدولار الذي بلغ عتبة الـ 32 ألف ليرة واقتراب دخول لبنان في المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، تحلّ آخر أيام صيف العهد الأخيرة ثقيلة على اللبنانيين مع أزمات جديدة قديمة تبدأ ولا تنتهي. فصيف الانهيار لا يزال قائماً على أكثر من صعيد، وزحمة الملفات التي تنتظر المعالجة أو الحلول تقف في طوابير التعطيل وغياب الحلول حالها كحال طوابير الخبز والبنزين والأدوية.

قرار الانهيار الذي لا يزال ساري المفعول ما دام قرار عدم إجراء أي إصلاح اقتصادي يُحقق الهدف المنشود من أجل الإنقاذ هو الأقوى، بالتزامن مع وجود حالة من الانكار لا تزال سائدة لدى مختلف القوى السياسية عززّت من التشوهات الاقتصادية، يجعل المرحلة المقبلة أكثر ضبابية وسوداوية، لا سيما وأن مؤشراتها بدأت تتبلور بصورة واضحة. ولعلّ أبرز هذه المؤشرات اشتداد الاحتدام والمواجهة السياسية قبيل الاستحقاق الرئاسي والذي سيتصدر عناوين الأيام المقبلة في الوقت الذي ينتظر لبنان جواباً اسرائيلياً سيحمله الوسيط الأميركي لترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل آموس هوكشتاين وما يرافقها من مخاوف أمنية، فضلاً عن عودة ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق الموازية في ظل تأزم العلاقات المصرفية – القضائية وتلبد الآفاق السياسية ودخول قرار مصرف لبنان بشأن تأمين 85 في المئة فقط من فاتورة استيراد البنزين على سعر منصة “صيرفة” عوضاً عن 100 في المئة حيّز التنفيذ، الأمر الذي أدّى إلى اتساع الفجوة بين سعر صرف الدولار في السوق الموازية وسعر منصة “صيرفة” مسجلة نحو 6 آلاف ليرة، وذلك بحسب ما ورد في التقرير الأسبوعي لبنك عوده. أما معيشياً، فتُشير أحدث الأرقام إلى ارتفاع المؤشر الغذائي لأسعار المستهلكين، وهي نسبة قياسية جعلت لبنان في صدارة أزمة الأمن الغذائي العالمي خلف زيمبابوي وفنزويلا، وهو ما أكّد عليه وزير الاقتصاد في حكومة تصريف الأعمال أمين سلام، معبّراً عن قلقه على جودة الغذاء ومن دخول بضائع مهرّبة إلى الأسواق اللبنانية.

وبحسب مصادر اقتصادية، فإن مسار الدولار في الأسابيع القليلة المقبلة لن يكون مريحاً، بل سيتسم بحالة من عدم الاستقرار خصوصاً وأن المخاوف الاقتصادية والمعيشية جراء ارتفاع مستويات التضخم وبدء العد العكسي لانتهاء الموسم السياحي وما سيليه من شح في توافر الدولار الاغترابي، ستترافق مع تشنجات في الساحة السياسية التي تعاني من انقسام عمودي ينذر بفراغ رئاسي في حال عدم التوافق على اسم مرشح للرئاسة. وعليه، سيعود لبنان ومعه اللبنانيون إلى دائرة خطر ارتفاع الدولار من جديد مع تزايد وتيرة الانقسامات الداخلية التي لا تزال تحرف بوصلة الإنقاذ عن اتجاهها. ومع استمرار التجاذب بين المصارف والدولة والقضاء، لن يكون الدولار بمهرب من الوقوع في فخها. وتؤكد المصادر أن تحسّن الوضع الاقتصادي والمالي سيكون مرتبطاً باستعداد لبنان كدولة لمساعدة نفسه أولاً قبل اللجوء إلى مساعدة الآخرين سواء من صندوق النقد الدولي أو من الدول المانحة.

يسير لبنان السياسي والاقتصادي والمالي في مسار خاطئ حوّلت بموجبه كمية الأزمات التي أحاطت به إلى حزام خانق حول رقاب اللبنانيين. ومع دخول البلد أسابيع الحسم الرئاسي، يشتدّ الخناق أكثر وأكثر في ظل صراع مميت على السلطة على الرغم من الحالة الحرجة التي وصل إليها اللبنانيون، إذ لا يزال لبنان غارقاً في وحل الانقسامات والتشتيت لكل مكونات الدولة، عاكسة بذلك صورة بشعة عن حجم الفراغ الوطني والضعف في التعامل مع القضايا المصيرية وفي إدارة الملفات الداخلية. وفي انتظار انتهاء صيف العهد الأخير، يبقى لهيب الدولار أكثر ما يُقلق اللبنانيين لا سيما إن صحّت توقعات ارتفاعه الجنوني.

شارك المقال