عون – ميقاتي: “تيتي تيتي”

صلاح تقي الدين

لم يفاجئ رئيس حكومة تصريف الأعمال والمكلّف تشكيل الحكومة العتيدة نجيب ميقاتي الوسط السياسي بالزيارة التي قام بها إلى قصر بعبدا حيث التقى الرئيس ميشال عون للبحث في هذه المسألة، فهو كان قد أبلغ الوزراء خلال الاجتماع “التشاوري” الذي عقد في السراي الحكومي أول من أمس الثلاثاء نيته القيام بهذه الزيارة، وإن كانت المصادر المواكبة للتشكيل شكّكت في أن يسفر لقاء الرئيسين عن أي نتائج ملموسة على هذا الصعيد.

ويمكن استخلاص بقاء الأحوال على حالها من التصريح المقتضب الذي أدلى به ميقاتي عقب انتهاء لقائه بعون، وقال فيه: “تقدمّت في 29 حزيران الماضي لفخامة الرئيس بتشكيلة للحكومة، تم خلال لقاء اليوم (امس) البحث في هذه التشكيلة، وللحديث صلة. وسنتواصل لأنني أستطيع أن اقول إن وجهات النظر متقاربة”.

وتفيد المعلومات بأن ميقاتي لا يزال على الموقف نفسه بعدم الرضوخ للضغوط التي يمارسها عليه عون وصهره رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل، وهو ليس في وارد إعطائهما ورقة يستعملانها في مرحلة الفراغ الرئاسي الذي يبدو أنه صار محتوماً، وبالتالي يفضّل بقاء حكومة تصريف الأعمال لتقوم بملء هذا الفراغ.

غير أنه وبعد كلام الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصر الله الذي طالب بضرورة تشكيل حكومة كاملة الصلاحيات لتقوم مقام الرئاسة في حال وقوع فراغ في هذا المنصب بعد الحادي والثلاثين من تشرين الأول المقبل، يبدو أن الضغوط مورست على عون وميقاتي توازياً لكي يحاولا التفاهم على شكل الحكومة العتيدة، لكن على الرغم من ذلك فإنهما لن يتراجعا عن موقفهما الذي سبق أن تناقشا به في الثاني من تموز الماضي، وهو موعد آخر زيارة قام بها ميقاتي إلى بعبدا.

وكان “التيار الوطني الحر” الذي يطالب “إعلامياً” بتسريع عملية تشكيل الحكومة قد استبق زيارة ميقاتي إلى بعبدا ببيان تصعيدي واستباقي صدر عن تكتل “لبنان القوي” حذّر فيه من وجود “فتاوى جاهزة تتيح لحكومةٍ مستقيلة أن تقوم مقام رئيس الجمهورية في حال عدم إنتخاب رئيس جديد في المهلة الدستورية”.

واعتبر التكتل أن “أي محاولة في هذا الاتجاه مرفوضة قطعاً وهي تفتح باباً للفوضى الدستورية وربما أكثر وتطلق عرفاً قد يجرّ الى أعراف جديدة”، مؤكداً أن “المطلوب بأسرع وقت أن يقوم رئيس الحكومة المكلف بدوره في تشكيل حكومة جديدة آخذاً في الإعتبار الشراكة الدستورية لرئيس الجمهورية في عملية التأليف وألّا يجنح أحد في البلاد الى أي مغامرات تضرب الدستور والميثاق”.

وأشارت مصادر إلى أنه يتبين من فحوى هذا البيان أن “باسيل لا يريد أن تصل المفاوضات بين عون وميقاتي إلى الحد الأدنى من التفاهم، وبالتالي فإن مساعي التشكيل ستبقى تراوح مكانها، وأنه لا يرغب في فتح أي باب لرئيس الحكومة لكي يقدّم عروضاً حكومية لا يمكن رفضها، أي أن يصبح مضطراً للموافقة على تشكيل حكومة جديدة لا تكون له الكلمة الفصل فيها كما هو الحال في الحكومة الحالية”.

في المقابل، رأى عضو كتلة “اللقاء الديموقراطي” النائب مروان حمادة أن “حزب الله يضغط باتجاه إعطاء الرئيس عون حكومة قبل نهاية عهده، وذلك لأنه يرجّح عدم إمكان انتخاب رئيس جديد للجمهورية ضمن المهلة الدستورية ويفضّل وجود حكومة مكتملة تتولى مهمة ملء الفراغ الرئاسي”.

وقال حمادة لموقع “لبنان الكبير”: “أعتقد أن الحزب ضاغط باتجاه إعطاء عون حكومة، لكن السؤال هو هل سيرضخ ميقاتي أو يتراجع عن الشروط التي سبق أن وضعها لنفسه وعلى الآخرين بأنه لن يشكل حكومة تكون وفقاً لإرادة جبران باسيل؟”.

أضاف: “في الشكل يبدو أن الأمور لن تذهب باتجاه التشكيل، على الرغم من أن التشكيلة الحكومية التي تحدث ميقاتي عن تقديمها في 29 حزيران الماضي تختلف عما يسرّب اليوم من أنه ذاهب باتجاه تعويم الحكومة الحالية وتغيير حقيبتين وزاريتين فقط هما حقيبة وزير الاقتصاد وحقيبة وزير المهجرين. فبالنسبة الى الاقتصاد يريد ميقاتي استبدال الوزير أمين سلام بوزير من المرجح أن يكون شمالياً وتحديداً من عكار، أما حقيبة وزير المهجرين التي هي من حصة النائب السابق طلال أرسلان، فميزان القوى الدرزي تغيّر ويريد ميقاتي أن يعطيها للزعيم وليد جنبلاط”.

غير أن حمادة أوضح حول هذه النقطة تحديداً أن الرئيس عون لن يقبل على الأرجح باستبدال الوزير عصام شرف الدين الذي ينفّذ له رؤيته المتعلقة بملف النازحين السوريين، ويريد أن يحفظ لأرسلان موقعاً كردّ جميل لمواقفه المؤيدة له ولسياساته.

من هنا يعتقد سياسي مخضرم أن الأمور ستظل على حالها ولا حلّ لمأزق تشكيل حكومة جديدة، وعلى الأرجح أن الانتخابات الرئاسية أيضاً لن تجرى في موعدها الدستوري الذي يبدأ في الأول من أيلول المقبل.

إذاً، فإن زيارة ميقاتية جديدة إلى بعبدا ستكون على قاعدة “تيتي تيتي” أي أن هدف تشكيل حكومة جديدة سيبقى صعب المنال، خصوصاً وأن الشروط الباسيلية لا تزال على حالها، لا بل أنها تتمدّد باتجاه نسف أي محاولة للتوصل إلى رئيس توافقي، ما يعني أنها ستنعكس أيضاً على الانتخابات الرئاسية التي لا تشي المعلومات لغاية اليوم بأنها ستجرى كما يجب أن تكون أي بين الأول من أيلول و31 تشرين الأول المقبل.

شارك المقال