الاستحقاقات… على ايقاع التسويات الخارجية والاخفاقات الداخلية

هيام طوق
هيام طوق

لا يختلف اثنان على أن الضياع الكامل يسود ملف الاستحقاق الرئاسي بحيث أن مختلف القوى السياسية لا تزال في مرحلة التخبط والتشاور والنقاش من دون الوصول الى نتيجة، لا لناحية التفاهمات ولا لناحية التوافق على الأسماء، مع العلم أن المهلة التي تفصل عن الموعد الدستوري لانتخاب الرئيس باتت ضاغطة حتى أن عدداً كبيراً من السياسيين والمحللين والمراقبين يعتبر أن الفراغ على مستوى الرئاسة الأولى شبه حتمي. لذلك، تم الربط بين إعادة تحريك الملف الحكومي والفراغ الرئاسي، اذ أنه ليس في مقدور حكومة مستقيلة مقيّدة بالحدود الضيقة لتصريف أعمال أن تُناط بها صلاحيات رئيس الجمهورية. وبالتالي، فإن السعي جدي الى تشكيل حكومة كاملة الصلاحيات كي لا يقع البلد في بلبلة قانونية وتفسيرات دستورية.

وفي ظل الحركة الداخلية التي في غالبيتها تتمحور حول انتخاب رئيس الجمهورية بحيث أن كل طرف يحاول كسب المعركة الأهم والمصيرية لمستقبل البلد، فإن الأفرقاء السياسيين يختلفون بين من يعتبر أن المخرج لإتمام الاستحقاق الرئاسي موجود على الساحة الداخلية، وبيد اللبنانيين أنفسهم في حال صفت النوايا خصوصاً أن الدول منشغلة بمشكلاتها وهمومها ولم تعد مهتمة بالشأن اللبناني، وبين من يرى أن المعارك الداخلية وهمية، وهوائية لتضييع الوقت لأن الانتخابات الرئاسية لن تحصل، ولن ينتخب رئيس جديد للجمهورية، كما لن تجد مختلف الملفات العالقة طريقها الى الحل الا بعد التسوية الكبرى في المنطقة، والتعامل معها ضمن سلة واحدة أو package كاملة متكاملة ما يعني اما ايجابية في الملفات كافة، وبدء الانفراج أو سلبية تامة يرافقها المزيد من التدهور والتحلل والتفكك والانهيار.

على أي حال، فإنه في وقت تستمر الكتل النيابية في رحلة البحث عن أسماء مرشحيها، وعن كيفية التعاطي مع الفراغ في حال حصوله، لا بد من التساؤل: هل فعلاً الاستحقاق الرئاسي كما الملفات الداخلية العالقة ومنها ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل والاتفاق مع البنك الدولي وخطة التعافي الاصلاحية وغيرها يتم عبر سلة متكاملة بعد تسوية اقليمية دولية أو أن هذا ضرب من الخيال خصوصاً وأن لبنان لم يقم بأي خطوة انقاذية؟

ويجمع السياسيون والمحللون على مقاربة الموضوع لناحية اعتبارهم أن التطورات الاقليمية والدولية تؤثر بصورة مباشرة على الداخل اللبناني، لكن ليس دقيقاً الحديث عن امكان حل المشكلات في سلة واحدة أو كما يقول البعض اما حلول متكاملة أو لا حلول لأن هناك ملفات شائكة وحولها خلافات كبيرة، وبالتالي، فإن التسويات ستكون على القطعة وبالمفرق لمختلف الملفات والاستحقاقات. وهنا لا بد من التأكيد أن على اللبنانيين القيام بما عليهم لأنهم الأساس في تحديد السياسات العامة وفي عملية الانقاذ، وألا يستمروا في الانتظار على حافة التسويات والتدخلات خصوصاً أن المسار الانحداري منذ 6 سنوات الى اليوم يؤكد أن أزماتنا في غالبيتها من صناعتنا الداخلية.

وفي السياق، اعتبر النائب محمد خواجة أن “الأزمات التي نعاني منها فيها تشابك بين عناصر داخلية وعوامل خارجية، لكن يجب أن نعترف بأن جزءاً من التراكمات ناتج عن سياسات اجتماعية واقتصادية خاطئة أوصلتنا الى ما نحن عليه اليوم. فلنفترض حصل الاتفاق النووي في فيينا، هل تنتهي مشكلاتنا؟ طبعاً لا. هل ديوننا التي بلغت أكثر من 100 مليار دولار تلغى؟ هل تخفف الكيديات عندنا ؟ هل ينتظم وضعنا المالي؟ هل يعود سعر الصرف الى الـ 1500 ليرة؟ ارتياح الوضع الخارجي يخفف من وطأة المشكلات الداخلية خصوصاً أننا نتعرض لحصار خارجي، وبالتالي، كلما تخف حالة الاحتقان في المنطقة كلما يرتاح الداخل اللبناني، وينعكس ايجاباً علينا، لكن يبقى أن هناك الكثير من صنع أيدينا”، مشدداً على “ضرورة وضع خطة حقيقية ضمن رؤية واضحة لفكفكة الأزمات، والخروج منها شيئاً فشيئاً اذا توافرت النوايا الحسنة لأن أزمتنا سياسية اقتصادية. علينا كلبنانيين تحمل المسؤولية تجاه وطننا بحيث أن الألم والوجع يصيباننا ولا يصيبان الآخرين”.

وأكد أن “انتخاب رئيس الجمهورية ليس صناعة وطنية بالكامل لكن العنصر اللبناني أساس. علينا انتخاب رئيس ضمن المهلة الدستورية، وكي لا نجلد أنفسنا، فإن العالم متداخل بطريقة عجيبة بحيث نرى تدخلات خارجية في الانتخابات الرئاسية حتى في دول عظمى مثل أميركا، فكيف الحال بالنسبة الى لبنان؟.”

وقال: “ليس المطلوب منا الانتظار على ضفة التسويات بل المطلوب تشكيل حكومة، اذ لا مبرر لعدم التشكيل وليس من باب التخوف من الفراغ الرئاسي انما لأنه استحقاق دستوري موجب من أجل الانتظام العام، ولأن حجم المشكلات يحتاج الى حكومة فاعلة واصلاحية، ثم انتخاب رئيس جمهورية قبل 31 تشرين الأول لأن أي فراغ يفاقم الأزمات”.

أما الوزير السابق ريشار قيومجيان، فلفت الى أن “الأحداث والتطورات الخارجية لها تأثير على الواقع اللبناني، ومنها مفاوضات فيينا والمحادثات السعودية – الايرانية، والحرب في أوكرانيا، لكن علينا تحصين أنفسنا، ومسؤوليتنا نحن انقاذ بلدنا. كفى انتظار الاستحقاقات الخارجية خصوصاً أن المسار الأساس يحدده اللبنانيون بأنفسهم”.

وأشار الى أن “هناك مساراً منذ 6 سنوات يأخذ البلد نحو اتجاه معين أي قبل المفاوضات والاستحقاقات الاقليمية والدولية التي نشهدها اليوم. اذاً، لا يمكن أن نقول ان التطورات الخارجية سبب الانهيار الداخلي”، معتبراً أن “انقاذ لبنان بيد اللبنانيين الذين عليهم وضع خطة تبدأ بمسار سياسي مغاير للمحور الايراني. من هنا أهمية انتخاب رئيس جديد للجمهورية ثم من بعدها تنطلق خطة التعافي الاقتصادي والاصلاحات”.

شارك المقال