عون وباسيل… وفنون المستحيل

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

كان على اللبنانيين أن يتحسبوا للجنرال الذي كان يناديهم ذات يوم بـ “يا شعب لبنان العظيم”، وهو يرتدي بزته العسكرية محاطاً بحرس الجمهورية، رئيساً لحكومة عسكرية من لون طائفي واحد، وأن يدركوا أن من ورّط البلاد في حربين متتاليتين “التحرير” و”الالغاء” حتى يحفظ بقاءه في قصر بعبدا، ورفض الاعتراف بإتفاق أنهى الحرب الأهلية، سيأتي اليوم الذي يخاطبهم فيه بعبارة “الشعب الطز” بعد أن استخدمهم في حفلات التطبيل والتزمير له، حتى بعدما ترك جنوده وأنصاره للمواجهة وحدهم وهرب إلى فرنسا ثم عاد بتظاهرة إعلامية و”تسونامي سياسية”، ليتبين لاحقاً أن صفقة عودته استلزمت استزلاماً لـ “حزب الله” وصار حليفاً للنظام السوري الذي اتهمه باحتلال لبنان وتنفيذ الاغتيالات ثم انقلبت مواقفه ليزور بشار الأسد في العام 2008.

يبدو من الواضح أن التركيبة الذهنية لعون “نابليون حارة حريك”، لم تسمح له بأن يدرك أن في لبنان حكماً برلمانياً ديموقراطياً وليس حكماً رئاسياً كما كان يطرح أثناء تمترسه في بعبدا ودعوته الى حكم رئاسي يبقيه في سدة الحكم الى ما لا نهاية الا اذا حكم القدر بموته، وروّج لفكرة رئيس منتخب من الشعب، ليصبح الحاكم بأمره، ويرضخ اللبنانيون لديكتاتورية نظام شمولي منبوذ في العالم كله.

إمتهن عون سياسة التعطيل ووضع العصي في الدواليب، كما اكتسب صهره “المدلل” مهاراته في ذلك، وتحت شعار حماية المسيحيين “أكل البيضة والتقشيرة” كما يقول المثل، حتى أنه ضاعف الدين العام بسبب مصالحه الخاصة ومشاريع خلبية لم تنتج حلولاً لا لمشكلة الطاقة ولا لمشكلة المياه ولا لاستخراج النفط والغاز، لا بل ساهمت في حماية حزب السلاح واستبدلت المؤسسات بالشراكات.

اليوم يبحث الصهر العزيز عن سبل تعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية إما بإبقاء عمه رئيساً صورياً حتى يساوم عليه في سوق الحلول لاحقاً، أو يتفتق ذهنه عن تحديث تجارب العم القديمة، وإستقدام “الشعب” الى القصر لتأمين حمايته، الا أن باسيل ينسى أن الظروف مختلفة اليوم، والناس تعد الثواني وليس الأيام والساعات لرحيل عمه، ويدرك جيداً أن أحداً لن يترحم على العهد القوي في ترتيب جهنم اللبنانيين ودفعهم الى العيش فيها.

كما جرى الكلام عن تحضيرات باسيلية لعرقلة أيّ انتخابات رئاسية إذا لم يتفق عليها، تقضي بعدم السماح للنواب بالحضور الى جلسة الانتخاب وعرقلة وصولهم عبر قطع الطرقات وتنظيم تجمعات قد تؤدي الى ما هو أخطر أي مواجهة مع القوى الأمنية.

وبغض النظر عن صحة السيناريوهين، فإن الكل يدرك أن سكان قصر بعبدا يحيكون شيئاً ما لخلق وقائع شبيهة بما حصل في العام 1989 وأن إنتخاب رئيس للجمهورية قد لا يمر بسلاسة إذا بقي عون متمترساً في بعبداه، وهو أبلغ كما يبدو رسالته بعدم مغادرته القصر والتسليم لحكومة تصريف أعمال، حتى تتغير موازين القوى وتأتي لصالح صهره رئيساً عتيداً، في حال نجح التسويق له أو لم يعد أمام المهتمين بالوضع اللبناني حول ولا قوة، وبالتالي العودة الى نقطة الصفر وتعويم النظام السوري بدءاً من البوابة اللبنانية كطرح بديل للفراغ الذي يمكن أن يأخذ البلاد الى الفوضى الأمنية.

لكن يغيب عن هؤلاء المخططين أن الأكثرية النيابية ليست بيد فريق “التغيير والاصلاح” و”حزب الله” لم يعط الضوء الأخضر فهو ينتظر مرشده الأعلى المشغول بمستقبل مفاوضاته مع الولايات المتحدة بشأن النووي اذا نجحت وساطات أوروبا في تقريب وجهات النظر ولم يعاند الأميركيون في الداخل التوصل الى نتائج تريح ايران.

ولا بد من الاشارة أيضاً إلى الظروف التي أدت الى الاتيان بعون في العام 2016 الى سدة الرئاسة بالتعيين من “حزب الله” ونتيجة لتسوية أدخلت لبنان في دوامة من الأزمات، وتسببت سياسات الكيدية والمناكفات بالانهيار ولم يخجل الرئيس مطلقاً من دعوة شعبه الذي لا يعجبه الوضع الى الرحيل، بدل أن يخجل من نفسه ويستقيل حفاظاً على بعض من كرامة.

لكن عون الذي لا يرى الا نفسه في الصورة لا يستوعب أن دول العالم اليوم لا يمكن لها أن ترضى بخطط التعطيل التي تحاك منه برعاية “حزب الله”، فسياسة فرض العقوبات بالمرصاد، وقد طالت صهره وقد تطال مستشاريه والمستفيدين من سلطته الذين سيبتعدون عنه حفاظاً على مصالحهم، وفي واقع الأمر سيعود في النهاية الى منزله في الرابية معزولاً، حتى يواتيه الأجل.

ولا شك أيضاً أن “حزب الله” اليوم ليس كما هو عليه من قبل، فهناك واقع يتغير في التمرد على النفوذ الايراني بدأ في العراق، ولبنان لن يكون بعيداً عنه، كما أن الداخل الايراني في حراك يخفت حيناً ويتصاعد أحياناً، والشارع الايراني يدرك أن توفير موارد لأذرع الحرس الثوري هنا وهناك يجعله يفتقد الى الحياة الكريمة والى الخبز والماء والخدمات.

لقد حرقت أوراق باسيل كمرشح وليس حال سليمان فرنجية أفضل منه، فالغطاء المسيحي له ليس ممتداً في كل لبنان، ولا بد من البحث عن شخصية أخرى قد تنجح المعارضة في تسميتها ودعمها وتأمين غطاء عربي ودولي لها، شخصية وسطية غير مستفزة وقادرة على إدارة الأزمة والتعامل مع الحلول الواقعية، وذلك يتطلب بالدرجة الأولى التنازل عن الأنانيات وترك الأمور تسير بإتجاه الحل لا وضع العصي في الدواليب سواء لتشكيل حكومة أم تمرير الاستحقاق الرئاسي، وهي رسالة لا بد أن يستوعبها عون أولاً، وثانياً “حزب الله” الذي لا مفر من عودته الى لبنان، واذا أبقى على ارتباطاته بسياسات إيران فمعنى ذلك أنه فضّل الخيار الانتحاري.

رابط عون مع “حزب الله” وتحالف معه وكان ذلك مبنياً على تبادل الخدمات أي تحقيق عون شعار استعادة صلاحيات رئيس الجمهورية التي أخذها منه الطائف بحسبه، واعطاء “حزب الله” غطاء مسيحياً لهيمنته، لكن عون فشل في أن يكون رافعة للحزب في الداخل والخارج وفقد قوة التمثيل المسيحي في الانتخابات النيابية الأخيرة، كما فشل هو وصهره في النجاح في مسرحيات إثارة العصبيات الطائفية، ولا مفر أمامه في النهاية سوى مغادرة القصر في الموعد المحدد من دون الاكثار من فنون المستحيل.

شارك المقال