التسوية: أي شيء لاخراج عون من القصر!

أنطوني جعجع

مرة جديدة، يعود السؤال: هل يتنحى ميشال عون عن الحكم في الوقت المحدد أم يبقى في مكانه؟

ومرة جديدة يعود السؤال: هل يمدد “حزب الله” رهانه على “الجنرال” أم يبحث عن طامح اَخر يريد أن يكون رئيساً لا شهيداً…؟

في السؤال الأول، لا يختلف اثنان على أن التنازل عن السلطة بالنسبة الى ميشال عون يوازي تماماً التنازل عن حياته، اذ أثبتت التجارب أن الرجل لا يستطيع العيش خارج السلطة سواء استحقها أو لا، ولا يستطيع أن يكون الرجل الثاني في أي موقع سواء كان جديراً بالمقعد الأول أو لا.

وفي السؤال الثاني، لا يختلف اثنان أيضاً على أن “حزب الله” لا يستطيع أن يكون الناخب الثاني سواء كانت له الغالبية أم لا، ولا يستطيع أن يقبل برئيس لا يكون “عون الثاني” سواء كان قادراً أو لا.

هما اثنان اختلفا في الماضي على أمور كثيرة واتفقا بعد مار مخايل على أمر واحد: عون في السلطة ولو بلا مخالب وحسن نصر الله في السلطة ولو بالقوة، والهدف ترؤس جمهورية واحدة مقسمة على اثنين: مسيحي ماروني يدير وطناً زائلاً ومسلم شيعي يبني وطناً اَخر.

ولا نبالغ هنا اذا لمسنا في مهمة عون نوعاً من الاستسلام المطلق وفي أداء حسن نصر الله نوعاً من السطوة المطلقة، وهما أمران يعمل الرجلان، على المضي بهما اذا أمكن واستنساخهما اذا تعذر الحسم المطلق.

لكن السؤال يبقى، هل لا يزال الرجلان في الموقع الذي استقرا فيه قبل ست سنوات؟

الجواب نعم وكلا معاً. نعم اذا وافق الأميركيون والعرب على ابقاء لبنان في قبضة “حزب الله” ست سنوات أخرى في مقابل “هدنة” تمتد من اليمن حتى غزة. وكلا اذا اشترت ايران حرية مداخيلها العالقة في قبضة أميركا في مقابل رأس عون وسطوة نصر الله في لبنان، إضافة الى دور جيوسياسي متقدم في الشرق الأوسط.

وهنا لا بد من سؤال آخر، هل حصلت ايران على كل ما تنشده في الاتفاق النووي الجدبد مع واشنطن؟ وهل حصل الأميركيون على كل ما ينشدونه منه؟

الجواب إيجابي في الشكل سلبي في المضمون، اذ يتضح أن ايران لم تحصل من واشنطن على تعهد يمنع أي رئيس أميركي من الغاء الاتفاق كما فعل دونالد ترامب، ولم تنجح أيضاً في سحب “الحرس الثوري” من لائحة المنظمات الارهابية، ولا في تحريرها من كل العقوبات التي تعانيها من الغرب وتحديداً من الولايات المتحدة.

والحال ليس أفضل لدى واشنطن التي لم تتلق في ما يبدو ضمانات موثوقة في ما يتعلق بطموحات ايران النووية وترسانتها البالستية، ولا أي تعهدات موثوقة بوقف التورط الايراني في اليمن ومن خلاله في دول الخليج وكل من العراق وسوريا ولبنان وغزة، ولم تتلق أيضاً أي تعهدات مماثلة بعدم التعرض للمواقع الأميركية في العراق، ولا بسحب قوات “الحرس الثوري” من سوريا، ولا بضبط مغامرات “حزب الله” في لبنان سواء في الداخل أو عبر الحدود مع اسرائيل، وجل ما ظهر، وفق التسريبات، لم يكن الا اتفاق اللااتفاق أو اتفاقاً على الورق لا على الأرض.

وليس من قبيل المصادفة أن ينشر الأسطول الخامس الأميركي مئة منصة مسيرات تحسباً لأي خضة عسكرية ايرانية، متهماً طهران بشحن الأسلحة الى الحوثيين في اليمن. وليس من قبيل المصادفة أيضاً ما تردد عن حشود أميركية – كردية استعداداً لمعركة مع الميليشيات الايرانية في سوريا، إضافة الى حملة فجائية من واشنطن تتهم الرئيس بشار الأسد بارتكاب جرائم حرب.

وأكثر من ذلك، لم يكن أمراً عابراً تزايد التعبئة العسكرية الاسرائيلية قبالة لبنان في عز المفاوضات الخاصة بترسيم الحدود، في خطوة تبدو وكأنها تخير لبنان و”حزب الله” معاً بين قبول العرض المقبل أو المواجهة، ولا توسع الهوة بين تل أبيب وواشنطن في ما يتعلق بالاتفاق النووي مع ايران.

وانطلاقاً من هذا المشهد القاتم، تلقى “حزب الله” تحذيرات من أكثر من جهة تؤكد أن الغرب والعرب معاً لن يسمحوا بوقوع لبنان في قبضته سواء عبر انتخاب رئيس لا يدور في فلكه أو عبر ضغط اقتصادي وعسكري على ايران يسهم في اخراح ميشال عون من بعبدا تسهيلاً لوصول رئيس اصلاحي يعيد الحياة الى الدورة الحياتية في لبنان.

ولم تخل هذه التحذيرات من ميل أميركي – عربي متزايد الى تدويل الملف اللبناني أو قبول فكرة الفديرالية في لبنان، وحشر دويلة “حزب الله” بين اسرائيل وكيان متنوع لا يشبهه ولا يوفر له أي بيئة حاضنة.

وانطلاقاً من كل ما تقدم، يكشف سياسي لبناني أن الرئيس نجيب ميقاتي تلقى تعليمات خارجية بوجوب التوجه مجدداً الى قصر بعبدا سعياً الى تشكيل حكومة بأقصى سرعة ممكنة، حتى لو اضطر الى القبول ببعض شروط جبران باسيل، ومنها الاحتفاظ بوزارة الطاقة وتوسيع الحكومة.

وأضاف أن هذا التحرك يهدف الى سحب أي ذريعة يمكن أن يتمسك بها عون للبقاء في القصر الرئاسي، والحؤول دون خلق أجواء تشبه تلك التي أخرجته منه رئيساً لحكومة عسكرية انتقالية في العام ١٩٨٩.

وتابع أن “حزب الله” بات يعرف أنه غير قادر على ضخ الروح في عهد ميشال عون، ولا في ايصال سليمان فرنجية الى الرئاسة بعدما رفض باسيل رفده بأصوات كتلته، وبات أمام الاختيار بين رئيس توافقي لا يزعجه ولا يزعج ايران، أو فراغ ممنوع قد يدفع ثمنه بطريقة أو بأخرى.

وأضاف أن المعارضة ليست في حال أفضل، فهي غير قادرة على ترئيس رئيس نافر ولا تحمل أي فراغ من أي نوع، ما يعني أنها ستلتقي مع الموالاة في اختيار الرجل الذي يقف في المنطقة الرمادية بين الأسود والأبيض.

من هو هذا الرئيس المنشود؟ يقول السياسي نفسه، ان اسمه مكتوب في ورقة مطوية في جيوب المعارضة والموالاة معاً، وان كشفه لن يتم ما لم يتضمن الاتفاق النووي المنشود ما يرضي ايران اقتصادياً وأميركا سياسياً واسرائيل أمنياً، وقبل أن يتأكد العرب من أن الاتفاق المذكور لن يعرضهم لصواريخ ايران، ولن يحول الشيعة في بلدانهم الى قنابل موقوتة يتحكم حكام طهران بأزرارها وأهدافها معاً.

من هنا، لن يكون الرئيس العتيد من صنع لبنان، فعبثاً كل المحاولات التي يجريها الفريقان لتعداد الأصوات وتجييرها وترويضها لمصلحة هذا أو ذاك، انه بكل بساطة واحد من البنود المطروحة على طاولات فيينا، ولم يحن أوانه بعد.

شارك المقال