إتهامان يلاحقان سعد الحريري

عاصم عبد الرحمن

على الرغم من إعلانه تعليق العمل السياسي التقليدي مطلع العام الجاري وعدم خوضه الانتخابات النيابية الأخيرة، لا تزال الاتهامات بالتدخل في الاستحقاقات الدستورية تلاحق الرئيس سعد الحريري الذي لم يتوانَ عن إبداء حرصه على حسن سير الشأن العام بما يخدم مصلحة اللبنانيين. فهل يُرمى الحريري بتهمة فشل الآخرين في أداء واجباتهم السياسية والوطنية؟

أطل تيار “المستقبل” تنظيمياً منذ أيام عبر وفد كبير برئاسة أمينه العام أحمد الحريري مقدماً واجب العزاء بنائب رئيس مجلس النواب السابق فريد مكاري، ومنذ يومين عاد وأطل سياسياً عبر بيان انتقد فيه وزير الاتصالات في حكومة تصريف الأعمال جوني القرم الذي قام بترقية محسوبين على “التيار الوطني الحر” في الوزارة وفق صفقة تفتقر إلى أدنى معايير الشفافية ولا تخدم سوى العهد الذي يستعد لطي صفحته نهائياً.

وفي سياق الإطلالتين يتساءل مراقبون عن بداية العودة الحريرية – المستقبلية إلى ممارسة العمل السياسي المعلق، وهو ما ينفيه مصدر مقرب من تيار “المستقبل” عبر “لبنان الكبير” واضعاً الأمر الأول في إطار الوفاء لأحد أعمدة الحريرية السياسية، أما الأمر الآخر فهو يصب في خانة عدم السكوت عما يرتكبه العهد العوني – الباسيلي بحق اللبنانيين.

وفي سياق لعبة تشكيل الحكومة بين الرئيسين ميشال عون ونجيب ميقاتي وتوزيع لائحة الشروط والشروط المضادة بينهما، يتهم سعد الحريري بأنه وراء هذه الشروط أو المبادئ التي يتمسك بها الرئيس المكلف لإبعاد فريق عون شبهة العرقلة عن كاهله. وفي هذا السياق ينفي مصدر قيادي في تيار “المستقبل” عبر “لبنان الكبير” هذه الاتهامات، واضعاً التواصل بين الرئيسين الحريري وميقاتي في إطار التشاور حول قضايا لبنانية عامة من دون التدخل أو الغوص في تشكيل الحكومة، معتبراً أن هذا الموضوع هو شأن الرئيس المكلف بالتشاور مع رئيس الجمهورية.

إتهام آخر يلاحق سعد الحريري وهو تدخله في الشأن الرئاسي على اعتبار أنه يدعم أحد المرشحين لرئاسة الجمهورية، وفي السياق عينه ينفي مسؤول قيادي رفيع في تيار “المستقبل” في حديث خاص لـ “لبنان الكبير” تدخل التيار في الاستحقاق الرئاسي، ويقول انه ليس لدى “المستقبل” كتلة نيابية كي يتدخل أو يقرر الوقوف إلى جانب أحد المرشحين الرئاسيين من عدمه، مشدداً على أن الحريري و”المستقبل” لا يزالان يعلقان العمل السياسي التقليدي أقله بانتظار ما ستؤول إليه ملفات المنطقة من الاتفاق النووي إلى العراق وسوريا واليمن ولبنان.

إنفصام سياسي يُعامل به سعد الحريري من قبل خصومه، فعندما يكون حاضراً في صلب الاستحقاقات الدستورية والوطنية يحشدون لتغييبه ومحاربته وإضعاف مواقفه خشية امتداده السياسي والوطني على مستوى لبنان، وعندما يقرر تعليق العمل السياسي التقليدي يستحضر بقوة إلى الاستحقاقات الكبيرة لمعرفتهم أنه لا يزال الرقم الصعب سنياً ووطنياً ولا بد أن يرمى بتهم فشلهم الذريع في ممارسة العمل السياسي الوطني بناءً على المناصفة العادلة بين المسلمين والمسيحيين ووفق ما تقتضيه مصلحة اللبنانيين الوطنية بعيداً عن الخطابات الشعبوية والمثالية التي لا تغني ولا تسمن من جوع مواجهة الإنهيار غير المسبوق في التاريخ الحديث.

تغيب ملائكة سعد الحريري الوطنية فتحضر شياطين السياسة اللبنانية محاولةً دفعه نحو سجالات لا شأن له ولتياره بها لممارسة التعمية على مكامن الخلل الذي تعانيه معظم الأحزاب الطائفية التي لا تستمر بلا تجييش ضد شركاء الوطن، ولكن لا شك سيكون للحريري كلام آخر فوق اعتبارات المصالح الشخصية ووفق ما تقتضيه المصلحة اللبنانية.

شارك المقال