هزائم عهد عون حتى اللحظة الأخيرة!

جورج حايك
جورج حايك

يتمسّك ميشال عون بالسلطة على الرغم من دخوله في الأسابيع الأخيرة من عهده، والسبب البحث عن انجاز واحد يحققه أو يجعله حياً في أحد مواقع السلطة بعد انتهاء عهده ولا سيما الحكومة التي ستنتقل اليها صلاحيات رئاسة الجمهورية بعد منتصف ليل 31 تشرين الأول.

لكن الانجازات تبدو بعيدة عن الرئيس وفريقه السياسي بُعد الأرض عن السماء، ولا يبدو أن الوقت يصب في مصلحته، وهو يعمل في كل الاتجاهات لتسجيل بعض النقاط في ملفات عدة سنستعرضها على النحو التالي:

أولاً، ملف ترسيم الحدود البحرية والثروة النفطية: ظاهرياً يتولى عون عملية التفاوض مع الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين حول تفاصيل هذا الملف، وهو قدّم تنازلات مهمة من خلال التراجع عن الخط 29 الذي حدده الجيش اللبناني إلى الخط 23، وكان مستعجلاً لإبرام اتفاق مع اسرائيل ليسجّل هذا الانجاز لمصلحة عهده، بصرف النظر عن دقة معلومات نشرت عن صفقة مع الأميركيين لرفع العقوبات عن صهره جبران باسيل. لكن حسابات الحقل غير حسابات البيدر، إذ دخل “حزب الله” على خط المفاوضات عبر اطلالات متتالية للأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله متوعداً ومهدداً اسرائيل، نازعاً ورقة التفاوض من عون، جاعلاً منه مجرد مفوّض من دون صلاحيات للبتّ بالأمر. عندما رأى الرئيس أنه لم بعد متحكماً بورقة التفاوض حاول حفظ ماء الوجه عبر تمسكه بالحقوق من بين خطي 23 و29 وضمنهما. مشكلة “الرئيس القوي” أن مدى قوته محدود بحيث لا يستطيع أن يتجاوز مصالح “الحزب”، وحتماً في ملف بهذا الحجم، لن يسمح “الحزب” لعون بتحقيق إنجاز منفرد، وخصوصاً أنه في أمس الحاجة الى الايحاء للشعب اللبناني بأنه انتزع للبنان حقوقه البحرية والغازية بما يسمح بالتأسيس لوضع اقتصادي يخرج الشعب من النفق المسدود وابراز دور اضافي لسلاحه بأنه قوة تحمي الثروات الطبيعية، إلى جانب الحماية من العدوان الخارجي. علماً أن كل هذا المنطق لا يشبه المنطق بشيء، لأن السبب الرئيس للإنهيار مرده خطف “حزب الله” للدولة وتوليه مع عون وباسيل وباقي المنظومة الفاسدة إدارتها، وكل كلام آخر لا يمت إلى الواقع بصلة، بل هو كلام ممجوج وخشبي وترويجي فاشل في محاولة لإقناع العقول السطحية والمسطحة بنظريات عقيمة.

المسؤول الأول عن الانهيار هو “حزب الله” بسبب ثلاثية سلاحه ودوره وحلفائه، والمسؤول الثاني هو ميشال عون من خلال منح “الحزب” غطاء رسمياً وشرعياً، خاضعاً لسلاحه الذي أمّن له البقاء في السلطة حتى اليوم، وإلا كانت ثورة 17 تشرين أطاحت به!.

خسر عون ورقة المفاوضة في ملف ترسيم الحدود البحرية، بل سحب “حزب الله” منه إدارته، وبات مستحيلاً انهاء هذا الملف في عهده، إن لم تتجه الأمور إلى التصعيد ويصبح المشهد مأساوياً نتيجة غياب القرار الرسمي الذي كان مطلوباً من الرئيس المحافظة عليه، لا الاستسلام لـ”الحزب” والرضوخ لمشيئته! نتيجة هذه الادارة الفاشلة لم يعد الهدف اخراج لبنان من أزمته المالية، إنما اخراج “الحزب” من مأزقه السياسي بعدما أوصل لبنان إلى الانهيار والكارثة، وما يجري اليوم هو مدّ “حزب الله” بورقة قوة ليواصل تحكّمه بلبنان ومصير اللبنانيين.

ثانياً، ملف التدقيق الجنائي: منذ البداية شعرت كل القوى السياسية أن عون أراد هذا حصر هذا الملف باستهداف خصومه السياسيين ومنافسي صهره على الرئاسة. ركّز على حسابات مصرف لبنان وحاكمه رياض سلامة، واستبعد كل محاولات التدقيق بمؤسسات رسمية يديرها فريقه السياسي مثل مؤسسة كهرباء لبنان التي تشوبها السياسات العونية – الباسيلية المظلمة كهربائياً، إضافة إلى مؤسسات أخرى يديرها حلفاؤه، فلا يجرؤ على فتح ملفاتها، ما هذه السياسة التي تعتمد صيفاً وشتاء تحت سقف واحد؟!.

أما مطاردة قاضية “العهد” غادة عون لسلامة بغية توقيفه، فأصبحت في الآونة الأخيرة مجرد مهزلة تمثيليّة، وكانت كل مرة تفشل في القبض على الحاكم، وبات القاصي والداني يعرف بأن الملاحقة، لها طابع سياسي بما يتخطى تنفيذ مهمة قضائية. القاضية المحميّة من العهد هي نفسها كانت ملاحقة قضائياً، وكانت ترفض المثول أمام القضاء أحياناً، وما كانت تفعله في مطاردة رياض سلامة كان استعراضاً للقوة، لأن البلد محكوم بتوازنات!. غادة عون ورياض سلامة يتمتعان بالحصانة السياسية، وهذه الدولة يحكمها عون، وسيسجّل في مسيرته الرئاسية أنه فشل في التدقيق الجنائي بسبب الانتقام والكيديّة السياسيّة.

ثالثاً، الملف الرئاسي: لا يختلف اثنان على أن الرئيس عون سعى إلى وصول باسيل إلى قصر بعبدا منذ اليوم الأول من عهده وبقيت محاولاته حتى اليوم من دون أن يفلح بذلك، نتيجة عوامل عديدة أهمها سقوط باسيل شعبياً والعقوبات الأميركية المفروضة عليه، وفشل عهده بسبب تدخلات باسيل ونهجه الفاشل والفاسد. والكلام عن بقاء عون في قصر بعبدا بعد 31 تشرين الأول أصبح لذر الرماد في العيون، وهو يعرف أن هناك خطاً أحمر دستورياً لا يسمح له بذلك، وقد دخلت الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا على الخط لتفادي أي ذريعة أو اجتهاد دستوري من فريق عون الاستشاري للاستمرار في قصر بعبدا، وبدأت الضغوط الدولية تثمر على صعيد التنازلات لتأليف حكومة تنتقل اليها صلاحيات رئيس الجمهورية ولا تكون موضع التباس كي لا يتذرع عون بالبقاء في قصر بعبدا. وهكذا تكون قد انتزعت هذه الورقة من يده وأصبح خالي الوفاض من أي انجاز. كان مطلوباً من عون أن يؤمن انتقالاً رئاسياً هادئاً إلى خلفه، لكن الطمع جعله يحرق كل المراكب، لذلك سيضع البلد على كف عفريت ويرحل!.

رابعاً، الملف الحكومي: هذا الملف أصبح عبئاً على اللبنانيين بسبب نهج عون وباسيل الممارسين للتعطيل وإدخال البلد في فراغ طويل، وهذا ما كررا فعله طوال أعوام العهد للضغط على خصومهما واخضاعهم لشروطهما، وهذا النهج مستمر حتى اليوم، والهدف منه المحاصصة، أي ادخال باسيل إلى حكومة ما بعد العهد ومعه ثلث معطل صاف يتيح تنصيبه رئيس جمهورية مقنّعاً على طاولة مجلس الوزراء خلال مرحلة الشغور الرئاسي، وبذلك يتحكّم بكل شاردة وواردة ولا يكون على عجلة من أمره رئاسياً، ويستخدم موقعه الجديد كمنصة متقدمة في معركته الرئاسية، ولعل هذه الورقة الأخيرة التي يحارب فيها عون حتى اللحظة الأخيرة.

عموماً، مهما حقق عون في نهاية عهده، ومهما رمى الاتهامات على خصومه، فهو يتحمّل المسؤولية الأساسية عن كارثة الانهيار الحاصل على كل المستويات الاقتصادية والمالية والمعيشية والاجتماعية، وفقدان الماء والكهرباء والخبز والدواء، وانهيار المؤسسات الرسمية، بعد ست سنوات من عمر العهد المدعوم من “حزب الله”، انطلاقاً من التحالف القائم بينهما، لابقاء لبنان أسير الدوران في الفلك الايراني على حساب سلخه عن محيطه العربي، والتغاضي عن استمرار تفلت سلاح “الحزب” الايراني من سلطة الدولة اللبنانية وقراراتها.

شارك المقال