“صفقة العار” تُعرّي التآمر الرسمي المشبوه… وسلام إلى الشهداء!

إسراء ديب
إسراء ديب

لم ينس أهالي العسكريين الذين كانوا خطفوا وأسروا على يدّ تنظيم “داعش” في 2 آب عام 2014، “اللوعة” التي شربوا كأس مرارتها الطافحة لثلاثة أعوام متواصلة ليفجعوا في نهاية المطاف بذبح أبنائهم وقتلهم واستلامهم جثثاً متحلّلة من جهة، وإتمام صفقة يُمكن أن يطلق عليها “صفقة العار” الرسمية التي سمحت بإرسال مسلّحي التنظيم الإرهابي بباصات الإمام المهدي “المكيّفة” وبحماية النظام السوري إلى الداخل السوري وتحديداً إلى دير الزور من جهة ثانية، يوم 28/08/2017، الأمر الذي أثار جدلاً واسعاً حينها، لكن سرعان ما أغلق هذا الملف ليسقط في غياهب النسيان رسمياً وإعلامياً.

لم تستلم الدّولة هذا الملف الخطير الذي يمسّ بالمؤسسة العسكرية التي كانت ولا تزال ترفض التفاوض مع “إرهابيين” بجدّية تامّة، فالمفاوضات التي كان يفترض أن تستمرّ تحقيقاً للإفراج عن العسكريين، توقفت بعد عملية الخطف لأكثر من عام، ولم يجد المعنيون حينها سواء أكان رئيس الحكومة الأسبق تمام سلام، أو رئيس الجمهورية ميشال عون ما يقولانه للأهالي، ليتسلّم في نهاية المطاف “حزب الله” المفاوضات عوضاً عن الرسميين في تخلّ واضح من الدّولة عن أبنائها ويُحقّق الحزب نصراً شفافاً لا يراه سواه ومناصريه، أمّا الواقع فيُؤكّد أنّ هذا الملف كان مجرد “كرة” تلقفها السياسيون ورموها بعيداً عن أبعاد القضية إنسانياً ووطنياً.

ومنذ العام 2017 حتّى يومنا هذا، لم ينعم أهالي العسكريين بالراحة أبداً، فهم ما زالوا يستذكرون كلّ اللحظات الصعبة التي واجهوها بانتظار عودة أبنائهم، أو على الأقل سماع أصواتهم والاطمئنان الى صحتهم، أعوام وهم يُواجهون صراعات مختلفة وأقاويل متنوّعة دفعتهم إلى التصعيد تارة، أو قطع الطرق تارة أخرى، ليتضح لهم فيما بعد أنّ كلّ ما عانوه من صراعات مع المعنيين لم تكن صادقة في دولة حرّرت المجرم ليفلت من العقاب تنفيذاً لمصالح سياسية.

ولا يُمكن للأهالي أن ينسوا وجوه “الدواعش” الباسمة، وهم يُغادرون الحدود اللبنانية – السورية، في وقتٍ كان “حزب الله” أوهم اللبنانيين والسوريين بنصر حقّقه في القلمون الغربي، ليُتيح للتنظيم تحقيق نصر مختلف في لبنان بعد تنفيذه جرائم قتل عدّة بين لبنان وسوريا لينتقل بأمان إلى المحافظة التي كانت تأوي أعضاء منه، في صفقة سمّيت حينها بـ “صفقة العار”، وذلك بعد إعلان “داعش” عن موقع رفات العسكريين اللبنانيين، إضافة إلى “إطلاق التنظيم أسيراً للحزب وتسليم جثتيّ مقاتلين منه قضيا في البادية السورية بعد وصول قافلة المنسحبين إلى منطقة دير الزور”، وهو ما أكّده المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، معلناً أنّ “مفاوضات حزب الله مع داعش في الأراضي السورية أفضت إلى كشف رفات 8 جثث، يُعتقد أنها لعناصر الجيش الذين خطفهم التنظيم عام 2014 من بلدة عرسال”.

عن كرامة الشهداء

في الواقع، وبعد مرور حوالي 9 أعوام على عملية الاختطاف والمأساة التي واجهت المؤسسة العسكرية، تواصل “لبنان الكبير” مع نظام مغيط شقيق المعاون الشهيد إبراهيم مغيط ليتحدّث عن التفاصيل التي واكبتها عائلة الشهيد طيلة الفترة الماضية.

وقال مغيط: “العتب منذ لحظة خطفهم كان على الدّولة التي أبدت تقصيراً وعجزاً واضحين في هذا الملف الذي كان قد أهمل سياسياً بصورة كبيرة، ما عدا اللواء إبراهيم الذي كان يُتابع بشفافية وكأنّه من أهالي العسكريين ويسعى في هذا الملف كثيراً بخلاف رئيسيّ الجمهورية والحكومة، واتضح لنا أنّ الدّولة لا تحفظ كرامة شهدائها الذين تزهق أرواحهم برخص كبير، فأبناؤنا ذبحوا بطريقة وحشية ولا ننسى تلك المشاهد والمواقف القاسية التي جعلتني أكره لبنان وأغادره منذ عامين”.

ووجّه مغيط كما غيره من المتابعين لهذا الملف، أصابع الاتهام إلى وزير الداخلية والبلديات السابق نهاد المشنوق، “فهو المسؤول المباشر عن تأخير المفاوضات وعرقلتها، وقام بذلك عبر مراحل أبرزها نشر الفيديوهات التي يُؤكّد فيها تعذيب مساجين رومية مثلاً، ما يدفع الإرهابيين إلى تعذيب العسكريين والاتصال بأهاليهم الذين كانوا يسمعون صراخهم ويشهدون على عمليات تعذيبهم”.

وإذْ أوضح أنّ الدّولة وعدتهم بفتح تحقيق في هذه القضية لا سيما بعد خطاب رئيس الجمهورية الذي أكّد فيه أنّه سيُحاسب المسؤولين “لأنّها قضية تمسّ كرامة بلادنا”، سأل مغيط عن مصير هذه التحقيقات “التي لم تبدأ بعد”، كما تساءل عن الشخصيات التي يُمكن التحقيق معها أيضاً، “مع العلم أنّه وبعلم المعنيين وبالأسماء هناك ضباط كانوا هربوا وسلّموا العسكريين تسليم اليد إلى الدواعش”، معتبراً أنّ “دمّ العسكري رخيص، وأنّ السياسيين مستعدّون للتضحية بكلّ العسكريين لتحقيق المكاسب والوصول إلى مناصبهم”.

وعن والده سمير مغيط الذي عانى الأمرّين خلال الأعوام الماضية، أشار الى أنّه لا يزال يتساءل: “لماذا؟ لم استشهد ابني؟ ولماذا لم تُفاوض الدّولة لإنقاذهم؟”، لافتاً الى أن “والدي كبر 100 عام منذ العام 2014 إلى حين استلمنا رفات أخي، أمّا الآن فهو يكبر سنوياً 100 عام أيضاً”.

في حين أكّد مغيط أن ماريا طفلة إبراهيم (9 أعوام) باتت مقتنعة بأنّ والدها “في السماء”، مشدّداً على أنّ المؤسسة العسكرية هي المؤسسة الوحيدة التي تُقدّر الشهداء “فهم يُقيمون احتفالات ورحلات لأبناء الشهداء احتراماً لأرواحهم”. وقال: “دولتنا سفاحة بكلّ ما للكلمة من معنى، فهي ظلمت شقيقي، أبي، ظلمتني والحقيقة أنّ ظفر أخي (ضيعانه) بهذه الأرض التي خدعونا بأوهامها لأعوام”.

شارك المقال