فراغ أو شغور في بعبدا… الكرة في ملعب بري

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

على الرغم من أن لبنان سيدخل خلال الساعات الـثماني والأربعين المقبلة، أي في الأول من أيلول، مرحلة المهلة الدستورية لانتخاب الرئيس المقبل للجمهورية، إلا أن الأجواء السياسية ملبدة بغيوم الفراغ وعدم التوافق والانقسامات، وبالتالي تعطيل عملية الانتخاب وإفشال إنجاز الاستحقاق الموعود، والرهان على المجلس النيابي وقدرته على الانعقاد للقيام بواجب انتخاب رئيس جديد، لعل ذلك يخرج لبنان من جحيم العهد القوي ويلتقط أنفاسه مع الرئيس العتيد وحكومة جديدة قادرة على وضع خطة تعالج أزمات اللبنانيين بالتدريج ولا تفرط بلبنان وسيادته وتحفظ استقلاله وأمنه وثرواته وحريته وتحقق العدالة.

يأمل اللبنانيون في أن يغادر ميشال عون الذي تنتهي ولايته في 31 تشرين الأول، من دون إفتعال مشكلة، علماً أنه يتراقص وصهره على حبال الفراغ، وما استمرار تعطيل تشكيل الحكومة من أجل فرض سيناريو يناسب طموحات جبران باسيل وترك لبنان رهينة مصالح أهل القصر الا دليلاً على ذلك. وكذلك محاولات ترويج فتاوى دستورية من نوع سحب التكليف من الرئيس نجيب ميقاتي وغيرها كمبرر لبقاء عون في بعبدا، علماً أن الأمور تبقى رهينة المجلس النيابي وقدرته على ممارسة دوره في انتخاب رئيس جديد.

حالات الفراغ في رئاسة الجمهورية ليست سابقة في حال قرر عون مخالفة الدستور والتمترس في بعبدا واللجوء الى خطوات غير قانونية في اطار المناكفة والمماحكة، فقبل انتخابه رئيساً في العام 2016 اثر تسوية طبخها “حزب الله” كان هناك فراغ رئاسي منذ العام 2014 أي فترة سنتين، وتولت حكومة تصريف الأعمال التي كان يرأسها الرئيس تمام سلام، صلاحيات رئاسة الجمهورية عندما انتهت ولاية الرئيس ميشال سليمان ولم ينعقد المجلس النيابي لانتخاب رئيس جديد.

حالة الفراغ الأولى حصلت من 18 الى 22 أيلول 1952 بعد عزل الرئيس بشارة الخوري، بحيث تشكلت حكومة عسكرية برئاسة فؤاد شهاب لأيام قليلة تولّت صلاحيات الرئيس حتى انتخاب كميل شمعون رئيساً.

اما الثانية فحصلت بدءاً من 23 أيلول 1988 مع انتهاء ولاية الرئيس أمين الجميل وتعذّر انتخاب خلف له، وحينها كان لبنان في حالة انقسام سياسي أدى الى تسليم الحكم الى حكومة عسكرية برئاسة ميشال عون استقال منها الوزراء المسلمون، بينما مارست حكومة تصريف الأعمال برئاسة سليم الحص صلاحيات رئيس الجمهورية.

والثالثة كانت بين 23 تشرين الثاني 2007 الى 25 أيار 2008، فعندما انتهت ولاية الرئيس اميل لحود تعذّر انتخاب خلف له، وتولت حكومة الرئيس فؤاد السنيورة صلاحيات رئس الجمهورية حتى انتخاب ميشال سليمان اثر اتفاق الدوحة.

من الواضح أن تجارب الفراغ السياسي في تاريخ لبنان تؤشر الى أنه كان يحصل عندما يحتدم الصراع والتنازع على الشرعية في ظل عدم اعتراف قوى سياسية بحكومة قائمة ترضيها، كما حصل بين حكومتي عون والحص في العام 1988، ما يؤدي الى شلل في عمل المؤسسات والى ما هو أخطر بكثير أي انفجار أمني لا تحمد عقباه، وهذا ما يهدد لبنان حالياً في حال حصول الفراغ وشغور منصب الرئاسة في بعبدا، لا سيما وأن الازمات الاقتصادية والاجتماعية متراكمة، كما أن صبر اللبنانيين على المنظومة الحاكمة وتعطيلها للحياة الدستورية حماية لمصالحها لن يكون طويلاً.

دستورياً، نصت المادة 73 على أنه قبل موعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية بمدة شهر على الأقل أو شهرين على الأكثر على المجلس النيابي أن يلتئم بناءً على دعوة من رئيسه من أجل انتخاب رئيس جديد. وأضافت المادة أنه في حال تعذرت دعوة المجلس لسبب من الأسباب يعتبر هذا الأخير مدعواً حكماً في اليوم العاشر الذي يسبق انتهاء ولاية الرئيس.

وإن لم ينجح أي من المرشحين في الحصول على غالبية الثلثين الضرورية لإعلان فوزه من دورة الاقتراع الأولى، تتم الدعوة الى جلسة أخرى للفوز بالنصف زائداً واحداً، الا اذا رغب البعض في تعطيل نصاب جلسات الانتخاب كما حصل في العام 2014 اذ تمت الدعوة الى خمس جلسات ولم يؤمن النصاب، فدخل لبنان في الفراغ الرئاسي نتيجة الخلافات السياسية التي عطلت المسار الديموقراطي.

والواضح في الدستور أنه اذا انقضت ولاية رئيس الجمهورية من دون التوصل الى انتخاب رئيس جديد تناط صلاحيات رئيس الجمهورية، بالاستناد الى المادة 62، وكالة بمجلس الوزراء. وحددت المادة 74 الحالات، وهي تعتبر سدة الرئاسة خالية في حال وفاة رئيس الجمهوية أو استقالته أو لأي سبب آخر. ونص هذه المادة ينطبق على حالات خلوّ وشغور منصب الرئاسة لتعذر الانتخاب. “ففي حال شغور المنصب بعد انقضاء الولاية، على المجلس أن يجتمع مباشرةً لانتخاب رئيس للجمهورية من دون الحاجة الى دعوة من رئيس المجلس، ويبقى المجلس في حالة انعقاد حتى انتخاب رئيس للجمهورية”. ما يعني أن المجلس المنعقد في هذه الحالة يصبح “هيئة ناخبة” وليس هيئة اشتراعية بمعنى تسحب الصفة التشريعية من المجلس النيابي ريثما يتم انتخاب رئيس للجمهورية. وبالتالي يمتنع عن القيام بأي عمل تشريعي أو أي عمل آخر طالما لم ينجح في انتخاب رئيس.

وهناك من يعتبر أنه مع خلو الرئاسة تنتقل صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة الى مجلس الوزراء ولا يمكن الحديث عن فراغ رئاسي بل عن شغور في الرئاسة، وأنه مع اناطة صلاحيات الرئاسة الأولى بمجلس الوزراء يمكن لمجلس النواب أن يكمل عمله التشريعي، وهو أمر حصل سابقاً مع شغور منصب الرئاسة في العام 2014 بحيث سمح للمجلس النيابي بالانعقاد لاقرار الموازنة بموجب مرسوم.

بعيداً عن الفراغ والشغور في كرسي بعبدا، حلم التمديد أو التجديد أيضاً كان حاضراً على الدوام عند رؤساء الجمهورية منذ عهد الاستقلال عبر آلية تعديل الدستور، فالرئيس شمعون في العام 1957 من خلال طرحه قانون انتخاب هدف الى إيجاد أكثرية تعدل الدستور وتعيده رئيساً، وهو ما رفضه كمال جنبلاط وصائب سلام وأحمد الأسعد، وأفضى الى تظاهرات سقط خلالها قتلى برصاص القوى الأمنية واغتيل الصحافي نسيب المتني وانفجر صراع عرف بثورة 1958 أسفر عن إنزال القوات الأميركية على الساحل اللبناني تلبية لطلب من شمعون، وأدى تدخل الرئيس المصري جمال عبد الناصر إلى اتفاق قضى بانتخاب قائد الجيش فؤاد شهاب رئيساً. وفي العام 2004 أدت رغبة سوريا في التمديد للرئيس اميل لحود الى تعديل المادة 49 من الدستور بالقوة والتهديد.

شارك المقال