تشابه بين لبنان والعراق… والانقسام الداخلي مستبعد

هيام طوق
هيام طوق

تتشابه الأوضاع بين لبنان والعراق الى حد كبير إن كان لناحية التنوع السياسي والطائفي، والحضور الأميركي والايراني الوازن، أو لناحية الظروف الاقتصادية الصعبة والفساد بحيث تزامنت الاحتجاجات في البلدين سنة 2019 مطالبة برحيل السلطة. ويعيش العراق أزمة سياسية مستمرة منذ 10 أشهر بسبب عدم توصل البرلمان الذي كان التيار الصدري يشكل غالبيته، الى تشكيل حكومة جديدة وتعيين رئيس جديد للجمهورية، في حين أن لبنان يشهد تعطيلاً لتأليف الحكومة بعد أشهر من الانتخابات النيابية وسط الحديث عن أن الفراغ الرئاسي حاصل لا مفر. وفي لبنان اعتكف الرئيس سعد الحريري عن العمل السياسي، في حين أعلن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر اعتزاله نهائياً العمل السياسي في العراق.

ووصلت الأزمة السياسية في العراق إلى ذروتها باقتحام أنصار التيار الصدري القصر الجمهوري، وإعلان حظر التجول في بغداد، وتفجر الوضع أكثر بعد أن أصدر المرجع الشيعي كاظم الحائري بياناً أعلن فيه توقفه عن مهامه كمرجع ديني ومطالبته الناس بطاعة المرشد الايراني علي خامنئي.

وعلى الرغم من التشابه في الظروف بين البلدين الا أن المحللين والمطلعين على الأوضاع العراقية يؤكدون أن هناك استبعاداً كلياً للمواجهة أو لحرب أهلية في لبنان لأن الحرب ستكون مدمرة نظراً الى تعددية المجتمع اللبناني. كما أن في العراق معارضة شيعية ضد التدخل الايراني في حين أن في لبنان افتقاراً الى معارضة شيعية لهذا التدخل ولكن ليس مستبعداً أن يكون هناك تشابه بين البلدين على المستوى السياسي، وينعكس التدخل الايراني على الاستحقاق الرئاسي خصوصاً أن كل المؤشرات تدل على أن البلد سيشهد فراغاً على هذا الصعيد.

وفي هذا الاطار، أشار الصحافي جورج علم الى أن “العراق يشهد أوضاعاً تصادمية صعبة ترسم علامات استفهام كبيرة حول مستقبله ومصيره خصوصاً بعد انسحاب الصدر من الحياة السياسية وهو صاحب النفوذ والشعبية الواسعة. وأدى انسحابه حتى الآن الى فوضى وسقوط ضحايا بين الشرائح الشيعية الموالية لايران. وبالتالي، فإن التدخل الخارجي في الشؤون العراقية أدى الى هذا التصادم، فهل ينسحب الأمر على لبنان؟ لا أرى ذلك، فالاقتتال مستبعد جداً”، لافتاً الى أن “الصراع في العراق شيعي – شيعي أما في لبنان فهناك ثنائية تحكم الطائفة الشيعية بتفاهماتها وحوارها المستمر بين حركة أمل وحزب الله. ويبقى التشابه في الحياة السياسية التي ربما تفضي الى ما وصل اليه الوضع في العراق خصوصاً في الاستحقاق الرئاسي بحيث تؤكد كل المؤشرات أننا ذاهبون نحو الفراغ الذي ربما يؤدي الى فوضى لأنه سيأتي من يملأه من خلال تدخلات خارجية”.

واعتبر أنه “لا يمكن الذهاب بعيداً في هذه الصورة التشاؤمية خصوصاً أن المهل الدستورية لم تبدأ بعد لانتخاب رئيس الجمهورية، لكن التطورات المتسارعة ربما قد تؤدي الى مفاجآت يصعب التكهن بها. لذلك، علينا انتظار المهل الدستورية لتتبلور الصورة في لبنان وإن كنا ذاهبين فعلاً الى فراغ رئاسي أو إن هناك رئيس للجمهورية قبل نهاية الولاية الحالية.”

وأكد أنه “لا يمكن تجاهل الربط أو تأكيده بين ما يجري في العراق اليوم ولبنان. في العراق هناك تدخل ايراني ومعارضة شيعية عراقية ضد هذا التدخل. في لبنان نفتقر الى معارضة شيعية واضحة ووازنة للتدخل الايراني، لكن هذا التدخل ربما يضع الثنائي الشيعي في مواجهة مع التيارات والأحزاب السياسية الأخرى التي ترفض الحضور الايراني على الساحة اللبنانية”، متسائلاً: “هل نحن ذاهبون فعلاً الى المواجهة؟ هناك استبعاد لذلك، لأن الحرب الأهلية في لبنان هي حرب مدمرة نظراً الى تعددية المجتمع اللبناني. وهل سيؤدي التدخل الايراني الى تعطيل الحياة السياسية في لبنان؟ كل الأمور واردة وعلينا أن ننتظر لنبني على الشيء مقتضاه”.

أما الكاتب والمحلل السياسي مصطفى فحص، فاعتبر أن “لبنان والعراق حديقة خلفية لايران ويخضعان لسلطة الشيعية السياسية، وللطرف الشيعي المسلح. الأزمة في العراق أكبر في ظل الانشقاق الشيعي الكبير خصوصاً اليوم حيث أصبح الانقسام دموياً. في لبنان مستبعد أن يحصل الانقسام بشكله العراقي، لكن الاضطراب الايراني في العراق قد يشجع بعض الأطراف المناوئة للثنائي الشيعي على التشدد”.

وأوضح أن “ما يحدث في العراق ينعكس على لبنان والاقليم. لبنان والعراق مرتبطان بالجغرافيا السياسية وبالهيمنة الخارجية. لبنان بعد أزمة العراق مؤهل لأسباب اقتصادية أكثر منها سياسية لفوضى أهلية لكن العنف الأهلي مستبعد. هذه الفوضى نتيجة الأوضاع الاقتصادية يمكن أن تتأثر بالعراق باعتبار أن الهيمنة الايرانية على العراق في مرحلة سيئة جداً، ستؤدي الى احتدام الصراعات الداخلية اللبنانية مع من يمثل الهيمنة الايرانية في لبنان. مع العلم أن خصوم الهيمنة الايرانية كما الموالين لها في لبنان لا يرغبون في المواجهة، ويتجنبونها بعد تجربة الحرب الأهلية، لكن الضغوط السياسية الداخلية والخارجية ستزداد بسبب الوضع العراقي”.

ولفت الشيخ عباس الجوهري الى أن “خصوصية العراق مختلفة عن خصوصية لبنان. الانقسام العراقي هو بين أبناء مكون واحد هو المكون الشيعي. في لبنان، الاختلاف بين حزب الله وباقي الطوائف الأخرى التي لا تشاطر الحزب نظرته الى الدولة”، مشيراً الى أن “الصدر كان يريد عملية اصلاحية في العراق اصطدمت بأتباع ايران، وهددوه، وهو لا يريد الدماء والكل يعرف حرصه على الوحدة الوطنية والوحدة الشيعية”.

ورأى أن “هناك ادارة واحدة للساحتين العراقية واللبنانية من قبل ايران أو عقلية واحدة لا تحمل فكر دولة انما فكر الميليشيا”، مستبعداً “أن يتأثر لبنان بما يجري في العراق بصورة مباشرة، لكن أينما وضعت ايران يدها تحول المكان الى نار ودمار”. وأكد أن “الصورة قاتمة في العراق ولا تبشر بالخير كما أنها قاتمة في لبنان، ونحن ذاهبون الى الفراغ الرئاسي لأن المعطلين لديهم أجندة خارجية غير وطنية خصوصاً أن الوضع الاقتصادي في لبنان ينذر بمجاعة حقيقية وتدهور اقتصادي لا مثيل له”، مشدداً على أن “مشكلتنا أننا لا نستطيع توحيد الجهود لغاية وطنية سيادية تنادي بالدولة السيدة وعدم تدخل الخارج فيها”.

شارك المقال