العزلة الروسية وتأثير العقوبات على الحرب الأوكرانية

حسناء بو حرفوش

كيف تؤثر العقوبات على الاقتصاد الروسي بعد مضي نحو ستة أشهر على إندلاع الحرب الأوكرانية؟ الإجابة في مقال بموقع “فوكس” الالكتروني الأميركي، يؤكد أن العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أحدثت تأثيراً مزدوجاً: فمن ناحية، شددت الخناق الاقتصادي حول روسيا من خلال دفع الشركات الكبرى الى تجميد استثماراتها وسحبها (على غرار “سيتي بنك” Citibank)، ومن ناحية أخرى، يستمر العجز الروسي عن استيراد الامدادات التكنولوجية الحيوية.

وأتى إعلان “سيتي بنك” الخميس الماضي في بيان صحفي عزمه على إنهاء مشاريعه المصرفية في روسيا، كمؤشر على تأثيرات العقوبات والحظر الذي جعل من الصعب على أي شركة أميركية الاستمرار في أعمالها هناك، ولكن على الرغم من ذلك، هذا لا يعني انهيار الاقتصاد الروسي بالكامل. وفي هذا السياق، كانت شبكة “سي أن أن” (CNN) قد لفتت الأحد إلى أن البنك المركزي الروسي يعدّل سياساته النقدية لضمان صمود الروبل، الذي يمثل حالياً العملة الأقوى مقابل الدولار منذ العام 2018.

عدا عن ذلك، ساهمت المصارف وعدد من الشركات من بلدان أخرى كالصين واليابان، في التخفيف من وطأة العقوبات، إما بفضل الحفاظ على العلاقات التجارية مع روسيا أو الالتزام بتوسيع الاستثمارات هناك. كما ضاعفت الصين والهند مستوى المشتريات من الوقود، بما في ذلك الفحم، على الرغم من العقوبات المفروضة على صناعة الوقود الأحفوري في روسيا.

سياسة النفس الطويل

وحيث أن العقوبات تستغرق بعض الوقت قبل ظهور تأثيراتها على اقتصاد كبير مثل الاقتصاد الروسي، تسعى موسكو الى تخفيف تأثيرها في الأصل منذ أن فرضتها الولايات المتحدة في العام 2014 نتيجة الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم. ولكن على الرغم من الاستعدادات التي اتخذتها الحكومة الروسية لمساعدة الاقتصاد على تجاوز نظام العقوبات الصارم الذي يفرضه الغرب، لا تدوم هذه الضوابط الى الأبد. وعلاوة على ذلك، ما زالت روسيا عاجزة عن استيراد الامدادات التكنولوجية الحيوية، ويعتمد اقتصادها بصورة كبيرة على صادرات الوقود ويستفيد حالياً من ارتفاع الأسعار بسبب التضخم.

وتترك العقوبات تأثيراً كبيراً على الاقتصاد الروسي، وتتوقع أكثر التقديرات تحفظاً إنكماش الناتج المحلي الاجمالي لروسيا بنسبة 6% هذا العام، وهي ضربة أكبر من الأزمة المالية الروسية في العام 1998. ولولا ثقل العقوبات، لشهد الاقتصاد الروسي نمواً هذا العام؛ لكن عدم قدرة البلاد على استيراد السلع أدى إلى نقص في المواد الأجنبية وتراجع سريع في الإنتاج الصناعي، سيترجم أخيراً بتسريح العمال وتدهور في مستويات المعيشة.

في نهاية المطاف، لن تتمتع روسيا بنفوذ أبدي في ما يتعلق بالوقود. يقول الكاتب ثين جوستافسون انه في عصر التغير المناخي، يرتبط الاقتصاد الروسي ارتباطاً وثيقاً بالوقود الأحفوري لدرجة أنه يفتقر الى صناعة بديلة مهمة لتعويض الأموال التي يجنيها من تلك الايرادات. وفي العام 2019، شكلت صادرات النفط والغاز 56% من الصادرات الروسية، بإجمالي 237.8 مليار دولار. ووفقاً لجوستافسون، ساهمت تلك الإيرادات في نسبة 39% من الميزانية الوطنية، وهذا يعني أن الاقتصاد الروسي سيواجه في النهاية الهلاك بدون صناعة نفط وغاز قوية.

علاوة على ذلك، لم تختبر روسيا بعد العبء الكامل للعقوبات، بحيث من المتوقع أن يحظر الاتحاد الأوروبي في كانون الثاني المقبل، 90% من جميع واردات النفط الروسية، مما سيخفض إنتاجها بنحو 2.3 مليون برميل من منتجات النفط الخام يومياً بحلول شباط 2023، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية. كما تحذر تقارير بلومبرغ من صعوبة العثور على عملاء جدد لتلك المنتجات، بعد استقرار التدفقات الخارجية إلى الأسواق الآسيوية في الأسابيع الأخيرة.

والعقوبات وحدها هي جزء من استراتيجية أشمل، تتمثل في سحب الاستثمارات الأجنبية لضرب الاقتصاد الروسي. وعلى الرغم من استمرار العديد من الشركات، وضمنها شركات أميركية وأوروبية، في ممارسة الأعمال التجارية في روسيا، أعربت أكثر من ألف شركة عن نيتها الانسحاب من البلاد. وهذا يطرح السؤال حول تأثير مستقبل الاقتصاد الروسي على أوكرانيا. 

الاقتصاد الروسي وأوكرانيا

نظرياً، من المفترض أن تدفع العقوبات الدولة الخاضعة لها إلى تغيير سلوكها، ولكن يبدو أن روسيا وبعد مرور ستة أشهر على غزوها أوكرانيا، لم تشعر بالألم الاقتصادي الذي ستعاني منه في المستقبل إذا تمكنت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي من الحفاظ على حظر الطاقة على وجه الخصوص.

وعلى الرغم من الخسائر الفادحة في ساحة المعركة، تمكنت روسيا حتى اليوم من الحفاظ على وجودها على الجبهة الجنوبية كما تعتزم زيادة إجمالي قوتها العسكرية من 1.9 مليون إلى 2.04 مليون، وفقاً لتقارير “رويترز”. ومع ذلك، يخيّم الغموض حول قدرة الجيش على تنفيذ الأوامر على الأرض بالنظر الى أن بعض عناصره حاول تجنب الانخراط في الخدمة العسكرية، كما أفادت تقارير. والآن وقد دخل الصراع مرحلة حرب الاستنزاف الجديدة التي تتطلب قوة عسكرية ومعنويات مستمرة، سيعتمد انتصار روسيا على التعبئة الصناعية والدعم الاجتماعي؛ ومن غير الواضح كيف سيتحقق ذلك بالنظر الى التحديات التي فرضتها العقوبات (…) وبينما استغل بوتين على مدى العقدين الماضيين، الاقتصاد العالمي لبناء آلة عسكرية وتمكين السياسة الخارجية الامبريالية، سيزداد الأمر صعوبة في ظل العقوبات المفروضة على المدى الطويل. وبينما لا تقلل العقوبات من رغبة بوتين في إزعاج جيرانه، إلا أنها تخفض من قدرته على تنفيذ تهديداته”.

شارك المقال