من جنرال روسي الى لاعب كرة قدم… رواية تفجير المرفأ

محمد شمس الدين

انتشر مقال مترجم عن صحيفة روسية تدعى “ازفستيا” ينقل حديثاً عن مسؤول سابق في المخابرات الروسية يدعى الجنرال إيغور دراغانوف، يقول فيه إن إسرائيل هي من دمرت مرفأ بيروت. ويستفيض المقال في التفاصيل، عن تأكيد دراغانوف أن ميناء بيروت انفجر بصاروخ نووي تكتيكي، وكيف قدمت القوات البحرية الغربية لاخفاء الحقائق العلمية، تحت غطاء المساعدات الانسانية، ثم غادرت جميع السفن الحربية الأجنبية لبنان بعد وصول فريق الخبراء الأميركي، وسمح له لبنان الرسمي بدخول أراضيه السيادية، لضمان نجاح عملية طمس الحقائق. واعتبر الجنرال المفترض، أن لبنان لم يحاول منذ البداية معرفة الحقيقة، فالقضاء مسيّس وكذلك عوائل الضحايا، وبعد الانفجار دخل إلى لبنان مئات ملايين الدولارات بصورة قانونية تحت غطاء ترميم المرفأ ومساعدة عوائل المتضررين، ولكن هذا المال كان هدفه الحقيقي التمهيد للانتخابات، وإسكات السلطات اللبنانية وتضييع التحقيق.

وأشار الجنرال المفترض في حديثه الى أن المخابرات الروسية متأكدة من أن “حزب الله” ليست لديه أي معدات عسكرية في المرفأ كما حاولت اسرائيل الترويج، والهدف الحقيقي من تدمير المرفأ هو ضرب أكبر ميناء في شرق المتوسط، وإزاحته من المنافسة مع ميناء حيفا بصورة نهائية، بالتزامن مع نجاح مهمة ضرب القطاع المصرفي اللبناني وإزالته من المنافسة. ولفت الى أن ما يؤكد ذلك هو أن فرنسا لم تقدم طلباً إلى مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة، لإحالة ملف انفجار مرفأ بيروت على لجنة تحقيق دولية.

هذا المقال أُثار جدلاً واسعاً في الرأي العام اللبناني، ولكن في الحقيقة بعد البحث والتدقيق جيداً، لم يتم ايجاد جنرال روسي باسم إيغور دراغانوف، بل وجد لاعب كرة قدم روسي بهذا الاسم، آخر مبارياته كانت مع نادي “فيلسا موسكو” في العام 2019. أما الصحيفة الروسية التي نقلت المقابلة المفترضة مع الجنرال الروسي، فهي بدورها نقلتها عن مدون أميركي يدعى غوردان داف، وهو من مروجي نظريات المؤامرة، فكيف استطاع هذا المدون الوصول إلى جنرال روسي في المخابرات الروسية، ولم تستطع أعتى وسائل الصحافة والاعلام الوصول إليه؟ وأصلاً الرواية بحد ذاتها فيها ثغرات، فهل الصاروخ النووي التكتيكي لا يترك أي أثر شعاعي؟ هذا إذا افترضنا أنه يمكن ضبط انفجاره إلى هذا الحجم الصغير. أما عن عدم طلب فرنسا تحويل التحقيق بانفجار المرفأ إلى تحقيق دولي، فالأمر ليس بيدها، بل يجب على الدولة المعنية أن تطلب سلطاتها رسمياً تحقيقاً دولياً، ويمكن لفرنسا المساندة ولكن لا يمكنها فرض تحقيق دولي على لبنان الرسمي في حال لم يرده.

مرة جديدة يقع الاعلام العربي عموماً واللبناني خصوصاً ضحية السبق الصحفي السريع، فلم يبحث أحد في النص الأساس للصحيفة الروسية، ولم يلتفت أحد إلى اسم الكاتب ومن هو، فهل يعلم الاعلام أن داف هو محرر موقع vetranstoday. com، المختص بنشر نظريات المؤامرة وتحديداً المتعلقة باسرائيل؟ وهل يعلم بقصة جيف سميث الذي سوّق له داف على أنه مصدر يكشف الحقائق؟ بحيث ادعى سميث أنه كان يعمل محققاً رئيساً لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية في إيران وسوريا، علماً أن لا علاقة له بالوكالة، ولا ذكر لاسمه في أي مكان يتعلق بعمل الوكالة في البلدين المذكورين، بل ان محاولات داف لاثبات مصداقية سميث قد انقلبت عليه، بحيث أشار الى أن جواز سفر سميث الديبلوماسي مليء بالتأشيرات الموقعة من الأمين العام للأمم المتحدة، ولكن الأخير لا يوقع التأشيرات الديبلوماسية ولا علاقة له بها. كما ادعى داف أن سميث يعمل لدى وكالة Abledanger، التي انتشر اسمها بين مروّجي نظريات المؤامرة بعد هجوم 11 أيلول، بأنها هي من نفذت الهجوم، وأنها وكالة سرية تحت سلطة الكونغرس الأميركي.

إذاً ببعض البحث يمكن التعرف على أصل رواية الجنرال الروسي الوهمي، ومن خلف هذه الرواية، وكم هي مصداقيته. نحن نعيش في عالم سرعة المعلومات وسهولة الوصول إليها، وهذا أمر له إيجابياته الكثيرة، ولكن من سلبياته أنه فتح منبراً لأي كان، وهذا ما يتسبب بنشر أخبار كاذبة، بل مختلقة، والمشكلة أن الاعلام التقليدي ليس باستطاعته مجاراة المدونين الالكترونيين، لذلك يسير خلفهم، مما يسهل نشر هذه الأخبار، من دون التأكد من مصداقيتها 100%، لذلك حتى لو قرأنا مقالاً في وسيلة إعلامية معروفة، يجب علينا التأكد من المعلومات، وإجراء البحث بأنفسنا، قبل تبني المعلومة المنشورة.

شارك المقال