المواجهة تحتدم في آخر أيام “العهد القوي”

صلاح تقي الدين

من الطبيعي أن ترتفع حدّة المواجهة بين فريقي “السيادة” و”الممانعة” خلال الأسابيع القليلة المتبقية على موعد انتهاء “العهد القوي”، خاصة على صعيد انتخاب رئيس جديد للجمهورية يمحو آثام هذا العهد وآثاره ومخلفاته بعدما أوصل لبنان واللبنانيين إلى جهنم، محققاً وعده “الصادق” بذلك، غير أن رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع رفع من مستوى هذا التحدي إلى مرحلة غير مسبوقة بحيث وجه سهامه إلى فريق العهد ومن يقف وراءه بصراحة مطلقة ومن دون مواربة.

لم يعد يجدي نفعاً اللطم بالعهد والفريق الذي يدعمه، كما لم يعد يجدي نفعاً تكرار الخطايا التي ارتكبها، فالمطلوب اليوم على ما قال جعجع، الالتقاء بين جميع القوى المعارضة لفريق “الممانعة” حول شخصية رئيس “إنقاذي” يخرج لبنان واللبنانيين مما غرقوا فيه.

محق جعجع في هذا المجال، غير أن ما فاته هو أن أي رئيس “إنقاذي” على ما وصفه، لن يكون منتمياً إلى الفريق “السيادي” إذ أن في هذا الشأن من المستحيل أن يحظى هذا الرئيس بالأكثرية المطلوبة لإيصاله إلى قصر بعبدا، ذلك أن “الممانعين” قد يلجأون مجدداً إلى لعبة تعطيل النصاب وأخذ البلد مجدداً رهينة لن يكون بمقدور أي جهة دفع فديتها، وبالتالي إغراق لبنان واللبنانيين أكثر وأكثر وهم بالكاد يستطيعون تكلّف مشاق المعيشة اليوم.

يجب على الفريقين المتواجهين أن يدركا أن “المواصفات” التي حدّدها البطريرك الماروني بشارة الراعي هي الوصفة الأنجع لتمكين البلد من عبور الاستحقاق الرئاسي بأقل الأضرار الممكنة، لكن بالتأكيد يجب أن يكون الرئيس العتيد بعيداً كل البعد عن محور المقاومة، ويجب أن يتحلّى بالصفات السيادية والكفاءة الاقتصادية التي هي لب مشكلات لبنان الحالية والمستقبلية، وعليه بالتأكيد أن يكون من المنفتحين والمؤمنين بانتماء لبنان العربي والعلاقات الأخوية والصادقة مع دول الخليج العربي الذي من دونه، لن يتمكن لبنان من استعادة عافيته مهما كثرت الوعود الغربية بذلك.

بعد خطاب جعجع في ذكرى شهداء “المقاومة اللبنانية” نفترض أنه سيكون هناك رد من فريق “الممانعة” الذي قد ينظم احتفالاً بمناسبة ذكرى شهداء “المقاومة الاسلامية”، وهذا ما سيرفع من نسبة التمترس خلف الشعارات المذهبية والطائفية وقد يدخل البلاد في أتون جديد ليس مطلوباً ولا مستحباً ومكلف جداً.

إن رفع لغة التحدي هو ما كان يخشاه رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط، ولعل خطوته بلقاء موفدين من “حزب الله” ودعواته المتكررة إلى الحوار وانتخاب رئيس بمواصفات الياس سركيس كانت نابعة من هذه الخشية، وها هي تظهر بوضوح في خطاب جعجع.

حقاً لم يعد اللبنانيون قادرين على تحمّل المزيد من الانهيار في مستوى معيشتهم، وما الخطابات التحريضية التي تدور اليوم، وستبقى تدور في الأسابيع المقبلة إلا زيادة في حدة هذا الانهيار، ولن تؤتي ثماراً باتوا يطلبونها، ويجب نقل الاهتمام السياسي اليوم إلى هذا الواقع الصعب الذي من المتوقع أن يستمر في صعوبته إلى فترة غير قصيرة.

ثم هل يضمن الفريق “السيادي” المعارض توحد أركانه حول المواصفات المستجدة التي طرحها جعجع الذي مثل رأس حربة هذه المعارضة؟ فالنواب “التغييريون” طرحوا ما أسموه مبادرة رئاسية ولديهم لائحة بأسماء مرشحين لن تتفق مع لائحة أو مواصفات الرئيس الذي يطالب به جعجع، فإذا كان “أهل البيت الواحد” كل يغني على ليلاه، فكيف السبيل إلى توحدهم في مواجهة فريق أصبحت كل يوم توحده خلف قيادة “صلبة” يمثّلها الأمين العام لـ”حزب الله”؟

ربما تكون “ظاهرة قرنة شهوان” في بداية العام 2000، مطلوبة اليوم بحيث أن طريق المواجهة الذي اعتمدته نجح في جمع فرقاء سياسيين من توجهات مختلفة، لكنها اجتمعت حول المطالبة السياسية بخروج قوات الاحتلال السوري من لبنان، ونجحت في تحقيق ذلك ولو أن الأمر كلّف سقوط دماء عزيزة وفي مقدمها دماء الشهيد رفيق الحريري.

لا يدخل هذا الكلام في خانة الاستسلام أو التكاسل أمام ضرورة مواجهة فريق “الممانعة”، لكن بالحوار والحكمة والعقل يمكن التفاهم والوصول إلى قاسم مشترك حتى مع الفريق الممانع لإيجاد شخصية مستقلة مناسبة لتولي مهمة الانقاذ في المرحلة المقبلة ولا تكون استفزازية أو تشكل تحدياً لفريق دون الآخر، لأن كلفة المواجهة ستكون أكبر من قدرة اللبنانيين على التحمّل وعادة المواجهات تبدأ كلامية ثم تتطوّر إلى ما لا يحمد عقباه.

شارك المقال