زواج بين عين الحلوة وغزة… حب عابر للزنزانة

زاهر أبو حمدة

كتب الناشط في غزة حسن الداودي، في حسابه على “فيسبوك”: “الأصدقاء الأعزاء، محمود، صديق عزيز من أبناء شعبنا اللاجئ في لبنان يريد أن يخطب فتاة من غزة، وقد قام بتوكيلي بعقد القران في غزة، وبعد تواصله مع عائلة العروس طلبوا منه جاهة خطوبة من غزة تنوب عنه في طلب العروس، فمن يرغب بالحضور في جاهة العريس يوم السبت مساءً فليتواصل معي. فإن كانت عائلة محمود ليست هنا فنحن عائلته، ودامت دياركم عامرة بالحب والأفراح ودام شعبنا موحداً على الرغم من كل الحواجز والحدود”. وهب المخاتير والوجهاء والناس العاديون للذهاب الى عائلة الفتاة سارة صبيح، لطلب يدها.

العريس محمود قاسم، لاجئ في مخيم عين الحلوة جنوبي لبنان، والعروس من غزة وشاءت الأقدار أن يتعارفا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كما تعرف الصديقان الافتراضيان حسن ومحمود. ربما هذه الحادثة احدى إيجابيات التكنولوجيا ووسائل التواصل من خلالها. لكن في المحصلة، تعيش سارة في زنزانة كبيرة مساحتها 360 كلم2 يحاصرها الاحتلال، أما محمود فهو يعيش في مخيم مطوق مساحته واحد كلم2. واضح أن الحدود والحواجز لا تفرّق الأرواح لكنها تبعد الأبدان، ومسألة التقاء العروسين فيها صعوبة كبيرة. فإذا تمكنت سارة من الخروج من غزة فهي تحتاج الى مبلغ مالي كبير وسفر شاق، ومعاملات رسمية في مصر ولبنان. وإذا استطاعت الوصول الى لبنان فهي تحتاج الى إقامة قانونية، وإذا قرر العروسان العيش في مخيم عين الحلوة فهذا يتطلب جهداً أكبر على المستويين النفسي والمجتمعي، فالعروس تخرج من زنزانة الى أخرى.

صحيح أن الحب يمكن أن يصنع المعجزات ويتجاوز الحواجز المادية والنفسية، لكن الواقع يُصعب المهمة. وهنا يحضر سؤال كل فلسطيني لاجئ أو مواطن: لماذا حالنا هكذا؟ لماذا تكثر الممنوعات في حياتنا ويتقزم الطموح إلى أدناه؟ الإجابة بسيطة: إنك فلسطيني وبالتالي أنت أسير الجغرافيا وديكتاتوريتها. أنت باختصار تحت الاحتلال.

وعلى الرغم من المعاني الجميلة والمفيدة المتجسدة في حالة سارة ومحمود، والجميع يتمنى لهما السعادة الدائمة في أي مكان يجمعهما، لكن هناك عبرة أخرى في القصة: أن الاحتلال لم يستطع انهاء العلاقة العاطفية. فلو كانت سارة تعيش في الضفة الغربية المحتلة، فهي وفقاً لقوانين الاحتلال الجديدة يجب الإبلاغ عن ذلك. مضحك هذا، أليس كذلك؟ وتنص اللوائح الجديدة الواردة في وثيقة مطولة على ضرورة إبلاغ الأجانب للسلطات الإسرائيلية بأي علاقة عاطفية مع حامل الهوية الفلسطينية في غضون 30 يوماً من بدء العلاقة. ويجب على الأجانب إخبار وزارة الأمن الإسرائيلية إذا وقعوا في حب فلسطيني يعيش في الضفة الغربية المحتلة. وفي حال تم الزواج بين الأجنبي ومواطن فلسطيني في الضفة سيكون عليهما مغادرة الضفة بعد 27 شهراً لفترة لا تقل عن ستة أشهر. وهذا الإجراء جزء من تشديد القيود على الأجانب الذين يعيشون في الضفة الغربية أو يرغبون في زيارتها. وبكل تأكيد يعتبر محمود أجنبياً بالنسبة الى دولة قامت على أرضه وهجرت أجداده وتمنعه من العودة إليها.

سيجمع الحب العروسين في أي مكان يريدانه، والأهم أن هذا الحب فلسطيني بامتياز وسينجب أطفالاً فلسطينيين سيروون قصة والديهما. قصة كسرت الزنزانة.

شارك المقال